الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ }

جملة { وهل أتاكَ نَبأ الخَصمِ } إلى آخرها معطوفة على جملةإنَّا سخرنا الجبال معه } ص18. والإِنشاء هنا في معنى الخبر، فإن هذه الجملة قصت شأناً من شأن داود مَع ربه تعالى فهي نظير ما قبلها.والاستفهام مستعمل في التعجيب أو في البحث على العلم فإن كانت القصة معلومة للنبي صلى الله عليه وسلم كان الاستفهام مستعملاً في التعجيب وإن كان هذا أول عهده بعلمها كان الاستفهام للحث مثلهل أتاكَ حديثُ الغاشِيَةِ } الغاشية1. والخطاب يجوز أن يكون لكل سامع والوجهان الأولان قائمان. والنبأ الخبر. والتعريف في { الخَصْمِ } للعهد الذهني، أي عهد فرد غير معيّن من جنسه أي نبأ خصم معيّن هذا خبره، وهذا مثل التعريف في ادخل السوق. والخصام والاختصام المجادلة والتداعي، وتقدم في قولههذان خصمان } في سورة الحج 19. و { الخصم } اسم يطلق على الواحد وأكثر، وأريد به هنا خصمان لقوله بعده { خَصْمَانِ }. وتسميتهما بالخصم مجاز بعلاقة الصورة وهي من علاقة المشابهة في الذات لا في صفة من صفات الذات، وعادة علماء البيان أن يمثلوها بقول القائل إذَا رأى صورة أسد هذا أَسد.وضمير الجمع مراد به المثنى، والمعنى إذ تسورا المحراب، والعرب يعدلون عن صيغة التثنية إلى صيغة الجمع إذا كانت هناك قرينة لأن في صيغة التثنية ثقلاً لنْدرة استعمالها، قال تعالىفقد صغت قلوبكما } التحريم 4 أي قلباكما.و { إذْ تَسَوَّرُوا } إذا جعلت { إذ } ظرفاً للزمن الماضي فهو متعلق بمحذوف دل عليه { الخَصم } ، والتقدير تحاكم الخصم حين تَسوروا المحراب لداود.ولا يستقيم تعلقه بفعل { أتاكَ } ولا بــــ { نَبَأ } لأن النبأ الموقت بزمنِ تسوّر الخصم محراب داود لا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم. ولك أن تجعل { إذ } اسماً للزمن الماضي مجرداً عن الظرفية وتجعله بدل اشتمال من { الخصم } لما في قوله تعالىواذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها } مريم 16، فالخصم مشتمل على زمن تسورهم المحراب، وخروج { إذ } عن الظرفية لا يختص بوقوعها مفعولاً به بل المراد أنه يتصرف فيكون ظرفاً وغير ظرف.والتسور تفعل مشتق من السور، وهو الجدار المحيط بمكان أو بلدٍ يقال تَسوّر، إذا اعتلى على السور، ونظيره قولهم تسنم جملَهُ، إذا علا سَنامه، وتَذَرأه إذا علا ذروته، وقريب منه في الاشتقاق قولهم صَاهى، إذا ركب صهوة فرسه.والمعنى أن بيت عبادة داود عليه السلام كان محوطاً بسُور لئلا يدخله أحد إلا بإذن من حارس السور. و { المحراب } البيت المتّخذ للعبادة، وتقدم عند قوله تعالىيعملون له ما يشاء من محاريب } في سورة سبأ 13. و { إذْ دَخلُوا } بدل من { إذْ تَسَوَّرُوا } لأنهم تسوروا المحراب للدخول على داود.والفزع الذُّعر، وهو انفعال يظهر منه اضطراب على صاحبه من توقع شدة أو مفاجأة، وتقدم في قوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6