الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

تخلص إلى حكاية موقف إبراهيم عليه السلام من قومه في دعوتهم إلى التوحيد وما لاقاه منهم وكيف أيده الله ونجّاه منهم، وقع هذا التخلص إليه بوصفه من شيعة نوح ليفيد بهذا الأسلوب الواحِد تأكيد الثناء على نوح وابتداءَ الثناء على إبراهيم وتخليد منقبة لنوح إن كان إبراهيم الرسول العظيم من شيعته وناهيك به. وكذلك جَمع محامد لإِبراهيم في كلمة كونه من شيعة نوح المقتضي مشاركته له في صفاته كما سيأتي، وهذا كقوله تعالىذرية من حملنا مع نوح } الإسراء3. والشيعة اسم لمن يناصر الرجل وأتباعِه ويتعصب له فيقع لفظ شيعة على الواحد والجمع. وقد يجمع على شِيع وأشياع إذا أريد جماعات كلُّ جماعة هي شيعة لأحد.وقد تقدم عند قوله تعالىولقد أرسلنا من قبلك في شِيَع الأولين } في سورة الحجر 10، وعند قوله تعالىوجعل أهلها شيعاً } في سورة القصص 4. وكان إبراهيم من ذرية نوح وكان دينه موافقاً لدين نوح في أصله وهو نبذ الشرك.وجعل إبراهيم من شيعة نوح لأن نوحاً قد جاءت رسل على دينه قبل إبراهيم منهم هود وصالح فقد كانا قبل إبراهيم لأن القرآن ذكرهما غير مرة عقب ذكر نوح وقبل ذكر لوط معاصر إبراهيم. ولقول هود لقومهواذكروا إذ جعلكم خلفاءَ من بعد قوم نوح } الأعراف69، ولقول صالح لقومهواذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } الأعراف74، وقول شعيب لقومهويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد } هود89. فجعل قوم لوط أقرب زمناً لقومه دون قوم هود وقوم صالح. وكان لوط معاصر إبراهيم فهؤلاء كلهم شيعة لنوح وإبراهيم من تلك الشيعة وهذه نعمة حادية عشرة.وتوكيد الخبر بـــ { إنّ } ولام الابتداء للردّ على المشركين لأنهم يزعمون أنهم على ملة إبراهيم وهذا كقوله تعالىوما كان من المشركين } البقرة 135. و { إذ } ظرف للماضي وهو متعلق بالكون المقدَّر للجار والمجرور الواقعين خبراً عن { إنَّ } في قوله { وإنَّ من شيعته لإبرٰهِيم } ، أو متعلق بلفظ شيعة لما فيه من معنى المشايعة والمتابعة، أي كان من شيعته حين جاء ربه بقلب سليم كما جاء نوح، فذلك وقتُ كونه من شيعته، أي لأن نوحاً جاء ربه بقلب سليم. وفي { إذْ } معنى التعليل لكونه من شيعته فإن معنى التعليل كثير العروض لــــ { إذْ } كقوله تعالىولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } الزخرف39. وهذه نعمة على نوح وهي ثانية عشرة.والباء في { بِقَلبٍ سليمٍ } للمصاحبة، أي جاء معه قلب صفته السلامة فيؤول إلى معنى إذ جاء ربه بسلامة قلب، وإنما ذكر القلب ابتداء ثم وصف بــــ { سليمٍ } لما في ذكر القلب من إحضار حقيقة ذلك القلب النزيه، ولذلك أوثر تنكير «قلب» دون تعريف.

السابقالتالي
2 3 4