أتبع التذكير والتسلية من جانب النظر في آثار ما حلّ بالأمم المرسَل إليهم، وما أخبر عنه من عاقبتهم في الآخرَة، بتذكير وتسلية من جانب الإِخبار عن الرسل الذين كذّبهم قومهم وآذَوهم وكيف انتصر الله لهم ليزيد رسوله صلى الله عليه وسلم تثبيتاً ويُلْقِم المشركين تبْكيتاً. وذكر في هذه السورة ست قصص من قصص الرسل مع أقوامهم لأن في كل قصة منها خاصيةً لها شبَهٌ بحال الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه وبحاله الأكمل في دعوته، ففي القِصص كلّها عبرة وأسوة وتحذير كما سيأتي تفصيله عند كل قصة منها، ويجمعها كلّها مقاومة الشرك ومقاومة أهلها. واختير هؤلاء الرسل الستة لأن نوحاً القدْوة الأولى، وإبراهيم هو رسول الملة الحنيفية التي هي نواة الشجرة الطيبة شجرة الإِسلام، وموسى لشبه شريعته بالشريعة الإِسلامية في التفصيل والجمع بين الدين والسلطان، فهؤلاء الرسل الثلاثة أصول. ثم ذكر ثلاثة رسل تفرّعوا عنهم وثلاثتهم على ملّة رسل من قبلهم. فأما لوط فهو على ملة إبراهيم، وأما إلياس ويونس فعلى ملة موسى.وابتدى بقصة نوح مع قومه فإنه أول رسول بعثه الله إلى الناس وهو الأسوة الأولى والقدوة المثلى. وابتداء القصة بذكر نداء نوح ربه موعظة للمشركين ليحذروا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه تعالى بالنصر عليهم كما دعا نوح على قومه وهذا النداء هو المحكي في قوله{ قال رب انصرني بما كذبون } المؤمنون26، وقوله{ قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً } الآيات من سورة نوح 21.والفاء في قوله { فلَنِعْمَ المُجِيبونَ } تفريع على { نادَانَا } ، أي نادانا فأجبناه، فحذف المفرّع لدلالة { فلنعم المجيبون } عليه لتضمنه معنى فأجبناه جواب من يقال فيه نعم المجيب. والمخصوص بالمدح محذوف، أي فلَنِعْم المجيبون نحن. وضمير المتكلم المشارَك مستعمل في التعظيم كما هو معلوم. وتأكيد الخبر وتأكيد ما فرع عليه بلام القسم لتحقيق الأمرين تحذيراً للمشركين بعد تنزيلهم منزلة من ينكر أن نوحاً دعا فاستجيب له.والتنجية الإِنجاء وهو جعل الغير ناجياً. والنجاة الخلاص من ضر واقع. وأطلقت هنا على السلامة من ذلك قبل الوقوع فيه لأنه لما حصلت سلامته في حين إحاطة الضر بقومه نُزلت سلامته منه مع قربه منه بمنزلة الخلاص منه بعد الوقوع فيه تنزيلاً لمقاربة وقوع الفعل منزلة وقوعه، وهذا إطلاق كثير للفظ النجاة بحيث يصح أن يقال النجاة خلاص من ضر واقع أو متوقع.والمراد بأهله عائلته إلاّ مَن حق عليه القول منهم، وكذلك المؤمنون من قومه، قال تعالى{ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل } هود40. فالاقتصار على أهله هنا لقلة من آمن به من غيرهم، أو أريد بالأهل أهل دينه كقوله تعالى