الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } * { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } * { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } * { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }

استثناء منقطع في معنى الاستدراك، والاستدراك تعقيب الكلام بما يضاده، وهذا الاستدراك تعقيب على قولهفإنَّهم يومئذٍ في العذابِ مشتركونَ } الصافات 33 فإن حال عبَاد الله المخلصين تام الضدية لحال الذين ظلموا، وليس يلزم في الاستدراك أن يكون رفعَ توهّم وإنما ذلك غالب، فقول بعض العلماء في تعريفه هو تعقيب الكلام برفع ما يُتوهم ثبوتُه أو نفيُه، تعريف أغلبي، أو أريد أدنى التوهم لأن الاستثناء المنقطع أعمّ من ذلك، فقد يكون إخراجاً من حكم لا من محكوم عليه ضرورة أنهم صرحوا بأن حرف الاستثناء في المنقطع قائم مقام لكن، ولذلك يقتصرون على ذكر حرف الاستثناء والمستثنى بل يردفونه بجملة تُبين محلّ الاستدراك كقوله تعالىفسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين } الأعراف 11 وقولهإلا إبليس أبى } البقرة 34، وكذلك قوله هنا { إلاَّ عِبَادَ الله المُخلصين أُولئِكَ لهم رزقٌ معلومُ }. ولو كان المعنى على الاستثناء لما أتبع المستثنى بأخبار عنه لأنه حينئذٍ يثبت له نقيض حكم المستثنى منه بمجرد الاستثناء، فإن ذلك مُفاد { إلا } ، ونظيره مع لكن قولُه تعالىأفأنت تنقذ من في النار لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف } الآية في سورة الزُّمَر 19 - 20. وذِكر المؤمنين بوصف العبودية المضافة لله تعالى تنويه بهم وتقريب، وذلك اصطلاح غالب في القرآن في إطلاق العبدِ والعبادِ مضافاً إلى ضميره تعالى كقولهواذكر عبدنا داوود ذا الأيد } ص 17واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب } ص 45يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } الزخرف 68، وربما أطلق العبد غير مضاف مراداً به التقريب أيضاً كقولهووهبنا لداوود سليمان نعم العبد } ص 30، أي العبد لله، ألا ترى أنه لما أريد ذكر قوم من عباد الله من المشركين لم يؤت بلفظ العباد مضافاً كما في قوله تعالىبعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد } الإسراء 5 إلاّ بقرينة مقام التوبيخ في قولهأأنتم أضللتم عبادي هؤلاء } الفرقان 17 لأن صفة الإِضلال قرينة على أن الإِضافة ليست للتقريب، وقولهإن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } الحجر42 فقرينة التغليب هي مناط استثناء الغاوين من قوله { عبادي } وينسب إلى الشافعي
ومما زادني شَرفاً وفخراً وكِدْتُ بأَخمَصي أَطأُ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلتَ أحمدَ لي نبيا   
والمراد بهم هنا الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنهم الذين يخطرون بالبال عند ذكر أحوال المشركين الذين كفروا به وقالوا فيه ما هو منه بريء خطورَ الضد بذكر ضده.و { المُخلَصين } صفة عباد الله وهو بفتح اللام إذا أريد الذين أخلصهم الله لولايته، وبكسرها أي الذين أخلصوا دينهم لله. فقرأه نافع وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بفتح اللام. وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بكسر اللام.

السابقالتالي
2 3 4