الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } * { فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

عود إلى الاستفتاء، ولذلك لم تعطف لأن بينها وبين ما قبلها كمال الاتصال، فالمعنى وقل لهم اصطفى البنات.قرأه الجمهور { أصْطَفَى } بهمزة قطع مفتوحة على أنها همزة الاستفهام وأما همزة الوصل التي في الفعل فمحذوفة لأجل الوصل. وقرأه أبو جعفر بهمزة وصل على أن همزة الاستفهام محذوفة.والكلام ارتقاء في التجهيل، أي لو سلمنا أن الله اتخذ ولداً فلماذا اصطفى البنات دون الذكور، أي اختار لذاته البنات دون البنين والبنون أفضل عندكم؟وجملة { ما لكم كيف تحكمون } بَدَل اشتمال من جملة { أصْطفى البنات على البنين } فإن إنكار اصطفاء البنات يقتضي عدم الدليل في حكمهم ذلك، فأبدل { ما لكم كيف تحكمون } من إنكار ادعائهم اصطفاء الله البنات لنفسه. وقوله { مَا لَكُم } { ما } استفهام عن ذات وهي مبتدأ و { لكم } خبر.والمعنى أي شيء حصل لكم؟ وهذا إبهام فلذلك كانت كلمة «ما لك» ونحوها في الاستفهام يجب أن يُتلى بجملةِ حالٍ تُبيّن الفعل المستفهم عنه نحوما لكم لا تنطقون } الصافات 92 ونحوما لك لا تأمنّا على يوسف } يوسف 11 وقد بُينتْ هنا بما تضمنته جملة استفهام { كيف تحكمون } فإن { كيف } اسم استفهام عن الحال وهي في موضع الحال من ضمير { تحكمون } قدمت لأجل صدارة الاستفهام. وجملة { تحكمُونَ } حال من ضمير { لكم } في قوله تعالى { ما لكم } فحصل استفهامان أحدهما عن الشيء الذي حصل لهم فحكموا هذا الحكم. وثانيهما عن الحالة التي اتصفوا بها لما حكي هذا الحكم الباطل. وهذا إيجاز حذف إذ التقدير ما لكم تحكمون هذا الحكم، كيف تحكمونه. وحذف متعلق { تحكمون } لما دل عليه الاستفهامان من كون ما حكموا به مُنكراً يحق العَجَب منه فكلا الاستفهامين إنكار وتعجيب.وفرّع عليه الاستفهام الإِنكاري عن عدم تذكرهم، أي استعمال ذُكرهم بضم الذال وهو العقل أي فمنكر عدم تفهمكم فيما يصدر من حكمكم.و { أمْ لكم سلطانٌ مبينٌ } إضراب انتقالي فــــ { أم } منقطعة بمعنى بل التي معناها الإضراب الصالح للإِضراب الإِبطالي والإِضراب الانتقالي. والسلطان الحجة. والمُبين الموضح للحق. والاستفهام الذي تقتضيه { أم } بعدها إنكاري أيضاً. فالمعنى ما لكم سلطان مبين، أي على ما قلتم إن الملائكة بنات الله.وتفرع على إنكار أن تكون لهم حجة بما قالوا أن خوطبوا بالإِتيان بكتاب من عند الله على ذلك إن كانوا صادقين فيما زعموا، أي فإن لم تأتوا بكتاب على ذلك فأنتم غير صادقين. والأمر في قوله { فَأتُوا } أمر تعجيز مثل قولهوإن كنتم في ريب ممّا نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } البقرة 23.وإضافة الكتاب إليهم على معنى المفعولية، أي كتاب مرسل إليكم. ومجادلتهم بهذه الجمل المتفننة رتبت على قانون المناظرة فابتدأهم بما يشبه الاستفسار عن دعويين دعوى أن الملائكة بنات الله، ودعوى أن الملائكة إناث بقوله

السابقالتالي
2 3