الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

يونس هو ابن متّى، واسمه بالعبرانية يُونان بن آمتاي، وهو من أهل فلسطين، وهو من أنبياء بني إسرائيل أرسله الله إلى أهل نينوَى وكانت نينَوى مدينة عظيمة من بلاد الأشوريين وكان بها أسرى بني إسرائيل الذين بأيدي الأشوريين وكانوا زهاء مائة ألف بقُوا بعد دانيال. وكان يونس في أول القرن الثامن قبل المسيح، وقد تقدم ذكره وذكر قومه في الأنعام وسورة يونس.و { إذ } ظرف متعلق بــــ { المُرسلينَ } ، وإنما وُقتت رسالته بالزمن الذي أبَق فيه إلى الفُلك لأن فَعلته تلك كانت عندما أمره الله بالذهاب إلى نينَوى لإِبلاغ بني إسرائيل أن الله غضب عليهم لأنهم انحرفوا عن شريعتهم.فحينما أوحى الله إليه بذلك عَظم عليه هذا الأمر فخرج من بلده وقصد مرسى يافا ليذهب إلى مدينة ترشيش وهي طرطوسِية على شاطىء بلاد الشام فهال البحر حتى اضطر أهل السفينة إلى تخفيف عدد ركابها فاستهموا على من يطرحونه من سفينتهم في البحر فكان يونس ممن خرج سهم إلقائه في البحر فالْتَقَمه حوت عظيم وجرت قصته المذكورة في سورة الأنبياء، فلما كان هروبه من كلفة الرسالة مقارناً لإِرساله وُقّت بكونه من المرسلين.و { أبَقَ } مصْدره إِباق بكسر الهمزة وتخفيف الباء وهو فرار العبد مِن مالكه. وفعله كضرب وسمع. والمراد هنا أن يونس هرب من البلد الذي أوحي إليه فيه قاصداً بلداً آخر تخلصاً من إبلاغ رسالة الله إلى أهل نِينْوَى ولعله خاف بأسَهم واتّهم صبرَ نفسه على أذاهم المتوَّقعَ لأنهم كانوا من بني إسرائيل في حماية الأشوريين. ففِعل { أبَق } هنا استعارة تمثيلية، شبّهت حالة خروجه من البلد الذي كلّفه ربه فيه بالرسالة تباعداً من كلفة ربه بإباق العبد من سيده الذي كلّفه عملاً.و { الفُلك المشحون } المملوء بالراكبين، وتقدم معناه في قصة نوح.وساهم قَارع. وأصله مشتق من اسم السَّهم لأنهم كانوا يقترعون بالسهام وهي أعواد النبال وتُسمّى الأزلام.وتفريع { فَسَاهَمَ } يؤذن بجمل محذوفة تقديرها فهال البحر وخاف الراكبون الغرق فساهم. وهذا نظير التفريع في قوله تعالىأن اضرب بعصاك البحر فانفلق } الشعراء 63 والمذكور في كتاب «يونان» من كتب اليهود أن بعضهم قال لبعض هلمّ نُلْققِ قرعة لنعرف مَن هو سبب هذه البلية فألقَوا قرعة فوقعت على يونس. وعن ابن عباس ووهب بن منبه أن القرعة خرجت ثلاث مرات على يونس.وسنُة الاقتراع في أسفار البحر كانت متَّبعة عند الأقدمين إذا ثقُلت السفينة بوفرة الراكبين أو كثرة المتاع. وفيها قصة الحيلة التي ذكرها الصفدي في «شرح الطغرائية» أن بعض الأصحاب يدعي أن مركباً فيه مسلمون وكفار أشرف على الغرق وأرادوا أن يرموا بعضهم إلى البحر ليخفّ المركب فينجو بعضهم ويسلم المركب فقالوا نقترع فمن وقعت القرعة عليه ألقيناه.

السابقالتالي
2 3 4