الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

اعتراض بين جملةإنَّا زيَّنا السماء الدُّنيا } الصافات6 وجملةفاستفتِهِم أهُم أشدُّ خلقاً } الصافات11 قصد منه وصف قصة طرد الشياطين.وعلى تقدير قولهوَحِفْظاً } الصافات7 مصدراً نائباً مناب فعله يجوز جعل جملة { لاَ يَسمعُونَ } بياناً لكيفية الحفظ فتكون الجملة في موقع عطف البيان من جملة { وحِفْظَاً } على حد قوله تعالىفوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك } طه120 الآية، أي انتفى بذلك الحفظ سَمع الشياطين للملأ الأعلى.وحرف { إلى } يشير إلى تضمين فعل { يَسَّمَّعُونَ } معنى ينتهون فيسمعون، أي لا يتركهم الرمي بالشهب منتهين إلى الملأ الأعلى انتهاء الطالب المكان المطلوب بل تدحرهم قبل وصولهم فلا يتلقفون من عِلم ما يجري في الملأ الأعلى الأشياء مخطوفة غير متبينة، وذلك أبعد لهم من أن يسمعوا لأنهم لا ينتهون فلا يسمعون. وفي «الكشاف» أن سمعت المعدّى بنفسه يفيد الإِدراك، وسمعت المعدّى بــــ { إلى } يفيد الإصغاء مع الإدراك.وقرأ الجمهور { لاَ يَسْمَعُونَ } بسكون السين وتخفيف الميم. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف { لا يسَّمَّعون } بتشديد السين وتشديد الميم مفتوحتين على أن أصله لا يَتسمعون فقلبت التاء سيناً توصلاً إلى الإِدغام، والتسمع تطلب السمع وتكلفه، فالمراد التسمع المباشر، وهو الذي يتهيأ له إذا بلغ المكان الذي تصل إليه أصوات الملأ الأعلى، أي أنهم يدحرون قبل وصولهم المكان المطلوب، والقراءتان في معنى واحد. وما نقل عن أبي عبيد من التفرقة بينهما في المعنى والاستعمال لا يصح.وحاصل معنى القراءتين أن الشهب تحول بين الشياطين وبين أن يسمعوا شيئاً من الملأ الأعلى وقد كانوا قبل البعثة المحمدية ربما اختطفوا الخطفة فألقوها إلى الكهان فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم قدر زيادة حراسة السماء بإرداف الكواكب بعضها ببعض حتى لا يرجع من خطف الخطفة سالماً كما دلّ عليه قوله { إلاَّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ } ، فالشهب كانت موجودة من قبل وكانت لا تحول بين الشياطين وبين تلقف أخبار مقطعة من الملأ الأعلى فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حرمت الشياطين من ذلك.و { الملأ } الجماعة أهل الشأن والقدر. والمراد بهم هنا الملائكة. ووصف { المَلإِ } بــــ { الأَعْلَىٰ } لتشريف الموصوف.والقذف الرجم، والجانب الجهة، والدُّحور الطرد. وانتصب على أنه مفعول مطلق لــــ { يقذفون }. وإسناد فعل { يُقذفون } للمجهول لأن القاذف معلوم وهم الملائكة الموكّلون بالحفظ المشار إليه في قوله تعالىوإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشُهُباً } الجن8.والعذاب الواصب الدائم يقال وصب يصب وصوباً، إذا دام. والمعنى أنهم يطردون في الدنيا ويحقرون ولهم عذاب دائم في الآخرة فإن الشياطين للنارفوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً } في سورة مريم 68، ويجوز أن يكون المراد عذاب القذف وأنه واصب، أي لا ينفكّ عنهم كلما حاولوا الاستراق لأنهم مجبولون على محاولته.

السابقالتالي
2