الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

لما جرى تحذير الناس من غرور الشيطان وإيقاظهم إلى عداوته للنوع الإِنساني، وتقسيم الناس إلى فريقين فريق انطلت عليه مكائد الشيطان واغتروا بغروره ولم يناصبوه العداء، وفريق أخذوا حذرهم منه واحترسوا من كيده وتجنبوا السير في مسالكه، ثم تقسيمُهم إلى كافر معذب ومؤمن صالح مُنعم عليه، أعقب ذلك بالإِيماء إلى استحقاق حزب الشيطان عذاب السعير، وبتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يَخلُصوا من حبائل الشيطان من أمة دعوته بأسلوب الملاطفة في التسلية ففُرع على جميع ما تقدم قولُه { أفمن زين له سوء عمله فراءه حسناً } إلى قوله { بما يصنعون } فابتداؤه بفاء التفريع ربط له بما تقدم ليعود الذهن إلى ما حكي من أحوالهم، فالتفريع على قولهإنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } فاطر 6، ثم بإبراز الكلام المفرّع في صورة الاستفهام الإِنكاري، واجتلاب الموصول الذي تومىء صلته إلى علة الخَبَر المقصود، فأشير إلى أن وقوعه في هذه الحالة ناشىء من تزيين الشيطان له سوء عمله، فالمزيِّن للأعمال السيئة هو الشيطان قال تعالىوزين لهم الشيطان أعمالهم } النمل 24 فرأوا أعمالهم السيئة حسنة فعكفوا عليها ولم يقبلوا فيها نصيحة ناصح، ولا رسالة مرسَل. و { مَنْ } موصولة صادقة على جمع من الناس كما دل عليه قوله في آخر الكلام { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } بل ودل عليه تفريع هذا على قولهإنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } فاطر 6 و { مَن } في موضع رفع الابتداء والخبر عنه محذوف إيجازاً لدلالة ما قبله عليه وهو قولهالذين كفروا لهم عذاب شديد } فاطر 7 عَقِب قوله { إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }. فتقديره بالنسبة لما استحقه حزب الشيطان من العذاب أفأنت تَهدي من زيّن له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء. وتقديره بالنسبة إلى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم لا يحزنك مصيره فإن الله مطلع عليه. وفرع عليه { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء }. وفرع على هذا قوله { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } أي فلا تفعل ذلك، أي لا ينبغي لك ذلك فإنهم أوقعوا أنفسهم في تلك الحالة بتزيين الشيطان لهم ورؤيتهم ذلك حسناً وهو من فعل أنفسهم فلماذا تتحسر عليهم. وهذا الخبر مما دلت عليه المقابلة في قولهالذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير } فاطر 7 فقد دل ذلك على أن الكفر سوء وأن الإِيمان حسن، فيكون «من زين له سوء عمله» هو الكافر، ويكون ضده هو المؤمن، ونظير هذا التركيب قوله تعالىأفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } في سورة الزمر 19، وتقدم عند قوله تعالى

السابقالتالي
2 3