الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

أعقب الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم بتسليته على تكذيب قومه وتأنيسه بأن تلك سنة الرسل مع أممهم. وإذ قد كان سياق الحديث في شأن الأمم جعلت التسلية في هذه الآية بحال الأمم مع رسلهم عكس ما في آية آل عمران 184فإن كذبوك فقد كذّب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } لأن سياق آية آل عمران كان في ردّ محاولة أهل الكتاب إفحام الرسول لأن قبلهاالذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } آل عمران 183. وقد خولف أيضاً في هذه الآية أسلوب آية آل عمران إذ قرن كل من «الزبر والكتاب المنير» هنا بالباء، وجُرّدا منها في آية آل عمران وذلك لأن آية آل عمران جرت في سياق زعم اليهود أن لا تقبل معجزة رسول إلا معجزة قُربان تأكله النار، فقيل في التفرد ببهتانهم قد كُذّبت الرسل الذين جاء الواحد منهم بأصناف المعجزات مثل عيسى عليه السلام ومن معجزاتهم قرابين تأكلها النار فكذبتموهم، فترك إعادة الباء هنالك إشارة إلى أن الرُسل جاءوا بالأنواع الثلاثة. ولما كان المقام هنا لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ناسب أن يذكر ابتلاء الرسل بتكذيب أممهم على اختلاف أحوال الرسل فمنهم الذين أتَوا بآيات، أي خوارق عادات فقط مثل صالح وهود ولوط، ومنهم من أتوا بالزبر وهي المواعظ التي يؤمر بكتابتها وزَبرها، أي تخطيطها لتكون محفوظة وتردد على الألسن كزبور داود وكتب أصحاب الكتب من أنبياء بني إسرائيل مثل أرمياء وإيلياء، ومنهم من جاءوا بالكتاب المنير، يعني كتاب الشرائع مثل إبراهيم وموسى وعيسى، فذكر الباء مشير إلى توزيع أصناف المعجزات على أصناف الرسل. فزبور إبراهيم صُحُفه المذكورة في قوله تعالىصحف إبراهيم وموسى } الأعلى 19. وزبور موسى كلامه في المواعظ الذي ليس فيه تبليغ عن الله مثل دعائه الذي دعا به في قادش المذكور في الإِصحاح التاسع من سفر التثنية، ووصيته في عَبر الأردن التي في الإِصحاح السابع والعشرين من السفر المذكور، ومثل نشيده الوعظي الذي نطق به وأمر بني إسرائيل بحفظه والترنّم به في الإِصحاح الثاني والثلاثين منه، ومثل الدعاء الذي بارك به أسباط إسرائيل في عَربات مُؤاب في آخر حياته في الإِصحاح الثالث والثلاثين منه. وزبور عيسى أقواله المأثورة في الأناجيل مما لم يكن منسوباً إلى الوحي. فالضمير في «جاءوا» للرسل وهو على التوزيع، أي جاء مجموعهم بهذه الأصناف من الآيات، ولا يلزم أن يجيء كل فرد منهم بجميعها كما يقال بنو فلان قتلوا فلاناً. وجواب { إن يكذبوك } محذوف دلت عليه علته وهي قولهفقد كذبت رسل من قبلك }

السابقالتالي
2