الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }

أعيد فعل { قل } للاهتمام بالمقول كما تقدم آنفاً. وجملة { قل جاء الحق } تأكيد لجملةقل إن ربي يقذف بالحق } سبأ 48 فإن الحق قد جاء بنزول القرآن ودعوة الإِسلام. وعُطف { وما يبدىء الباطل وما يعيد } على { جاء الحق } لأنه إذا جاء الحق انقشع الباطل من الموضع الذي حلّ فيه الحق. و { يبدىء } مضارع أبدأَ بهمزة في أوله وهمزة في آخره والهمزة التي في أوله للزيادة مثل همزة أجاء، وأسرى. وإسناد الإِبداء والإِعادة إلى الباطل مجاز عقلي أو استعارة. ومعنى { ما يبدىء الباطل وما يعيد } الكناية عن اضمحلاله وزواله وهو ما عبر عنه بالزهوق في قوله تعالىإن الباطل كان زهوقاً } في سورة الإِسراء 81. وذلك أن الموجود الذي تكون له آثارٌ إمّا أن تكون آثاره مستأنفة أو معادة فإذا لم يكن له إِبداء ولا إعادة فهو معدوم وأصله مأخوذ من تصرف الحي فيكون ما يبدىء وما يعيد } كناية عن الهلاك كما قال عَبيد بن الأبرص
أفقر من أهله عَبيد فاليوم لا يُبدي ولا يعيد   
يعني نفسه. ويقولون أيضاً فلان ما يبدىء وما يعيد، أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة، أي لا يرتجل كلاماً ولا يجيب عن كلام غيره. وأكثر ما يستعمل فعل أبدأ المهموز أوله مع فعل أعاد مزدوجين في إثبات أو نفي، وقد تقدم قوله تعالىأولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده } في سورة العنكبوت 19.