الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

أعقبت أحكام معاملة أزواج النبي عليه الصلاة والسلام بالثناء عليه وتشريف مقامه إيماء إلى أن تلك الأحكام جارية على مناسبة عظمة مقام النبي عليه الصلاة والسلام عند الله تعالى، وإلى أن لأزواجه من ذلك التشريف حظًّا عظيماً. ولذلك كانت صيغة الصلاة عليه التي علَّمها للمسلمين مشتملة على ذكر أزواجه كما سيأتي قريباً، وليُجعل ذلك تمهيداً لأمر المؤمنين بتكرير ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالثناء والدعاء والتعظيم، وذُكرَ صلاة الملائكة مع صلاة الله ليكون مثالاً من صلاة أشرف المخلوقات على الرسول لتقريب درجة صلاة المؤمنين التي يؤمرون بها عقب ذلك، والتأكيد للاهتمام. ومجيء الجملة الإسمية لتقوية الخبر، وافتتاحها باسم الجلالة لإِدخال المهابة والتعظيم في هذا الحكم، والصلاة من الله والملائكة تقدم الكلام عليها عند قوله تعالىهو الذي يصلي عليكم وملائكته } في هذه السورة 43. وهذه صلاة خاصة هي أرفع صلاة مما شمله قوله { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } لأن عظمة مقام النبي يقتضي عظمة الصلاة عليه. وجملة { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } هي المقصودة وما قبلها توطئة لها وتمهيد لأن الله لما حَذّر المؤمنين من كل ما يؤذي الرسول عليه الصلاة والسلام أعقبه بأن ذلك ليس هو أقصى حظهم من معاملة رسولهم أن يتركوا أذاه بل حظُّهم أكبر من ذلك وهو أن يُصَلُّوا عليه ويُسَلِّمُوا، وذلك هو إكرامهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما بينهم وبين ربهم فهو يدل على وجوب إكرامه في أقوالهم وأفعالهم بحضرته بدلالة الفحوى، فجملة { يا أيها الذين آمنوا } بمنزلة النتيجة الواقعة بعد التمهيد. وجيء في صلاة الله وملائكته بالمضارع الدال على التجديد والتكرير ليكون أمر المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم عقب ذلك مشيراً إلى تكرير ذلك منهم إسوة بصلاة الله وملائكته. والأمر بالصلاة عليه معناه إيجاد الصلاة، وهي الدعاء، فالأمر يؤول إلى إيجاد أقوال فيها دعاء وهو مجمل في الكيفية. والصلاة ذِكر بخير، وأقوال تجلب الخير، فلا جرم كان الدعاء هو أشهر مسميات الصلاة، فصلاة الله كلامه الذي يُقدِّر به خيراً لرسوله صلى الله عليه وسلم لأن حقيقة الدعاء في جانب الله معطّل، لأن الله هو الذي يدعوه الناس، وصلاة الملائكة والناسِ استغفار ودعاء بالرحمات. وظاهر الأمر أن الواجب كلُّ كلام فيه دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن الصحابة لما نزلت هذه الآية سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية هذه الصلاة قالوا «يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمناه فكيف نصلي عليك؟» يعنون أنهم علِموا السلام عليه من صيغة بثّ السلام بين المسلمين وفي التشهد فالسلام بين المسلمين صيغته السلام عليكم. والسلام في التشهد هو «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» أو «السلام على النبي ورحمة الله وبركاته».

السابقالتالي
2 3 4 5