الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }

موقع هذه الآية في المصحف عقب التي قبلها يدل على أنها كذلك نزلت وأن الكلام متصل بعضه ببعض ومنتظم هذا النظم البديع، على أن حذف ما أضيفت إليه { بعدُ } ينادي على أنه حذْفُ معلوم دل عليه الكلام السابق فتأخّرها في النزول عن الآيات التي قبلها وكونها متصلة بها وتتمة لها مما لا ينبغي أن يُتردد فيه، فتقدير المضاف إليه المحذوف لا يخلو إمّا أن يؤخذ من ذكر الأصناف قبله، أي من بعد الأصناف المذكورة بقولهإنا أحللنا لك أزواجك } الأحزاب 50 الخ. وإمّا أن يكون مما يقتضيه الكلام من الزمان، أي من بعد هذا الوقت، والأول الراجح. و { بعد } يجوز أن يكون بمعنى غير كقوله تعالىفمن يهديه من بعد الله } الجاثية 23 وهو استعمال كثير في اللغة، وعليه فلا ناسخ لهذه الآية من القرآن ولا هي ناسخة لغيرها، ومما يؤيد هذا المعنى التعبير بلفظ الأزواج في قوله { ولا أن تبدل بهن من أزواج } أي غيرهن، وعلى هذا المحمل حمل الآية ابن عباس فقد روى الترمذي عنه قال «نُهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات» فقال { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك } فأحل الله المملوكات المؤمناتوامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } الأحزاب 50. ومثل هذا مروي عن أُبَيّ بن كعب وعكرمة والضحاك. ويجوز أن يكون { بعدُ } مراداً به الشيء المتأخر عن غيره وذلك حقيقة معنى البعدية فيَتعينُ تقدير لفظ يدل على شيء سابق. وبناء { بعدُ } على الضم يقتضي تقدير مضاف إليه محذوففٍ يدل عليه الكلام السابق على ما درج عليه ابن مالك في الخلاصة وحققه ابن هشام في «شرحه على قطر الندى»، فيجوز أن يكون التقدير من بعدِ مَن ذكرن على الوجهين في معنى البعدية فيقدر من غير مَن ذكرن، أو يقدر من بعدِ من ذُكرن، فتنشأ احتمالات أن يكون المراد أصناف من ذكرن أو أعداد من ذُكرن وكن تسعاً، أو مَن اخترتهن. ويجوز أن يقدر المضاف إليه وقتاً، أي بعد اليوم أو الساعة، أي الوقت الذي نزلت فيه الآية فيكون نسخاً لقولهإنا أحللنا لك أزواجك } إلى قولهخالصة لك } الأحزاب 50. وأما ما رواه الترمذي عن عائشة أنها قالت «ما مات رسول الله حتى أحل الله له النساء». وقال حديث حسن. وهو مقتض أن هذه الآية منسوخة فهو يقتضي أن ناسخها من السنة لا من القرآن لأن قولها ما مات، يؤذن بأن ذلك كان آخر حياته فلا تكون هذه الآية التي نزلت مع سورتها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3