الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }

{ تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِىۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }. استئناف بياني ناشىء عن قوله { إنا أحللنا لك أزواجك } إلى قولهلكيلا يكون عليك حرج } الأحزاب 50 فإنه يثير في النفس تطلباً لبيان مدى هذا التحليل. والجملةُ خبر مستعمل في إنشاء تحليل الإِرجاء والإِيواء لمن يشاء النبي صلى الله عليه وسلم. والإِرجاء حقيقته التأخير إلى وقت مستقبل. يقال أرجأت الأمر وأرجيْته مهموزاً ومخففاً، إذا أخرته. وفعله ينصرف إلى الأحوال لا الذوات، فإذا عدي فعله إلى اسم ذات تعين انصرافه إلى وصف من الأوصاف المناسبة والتي تراد منها، فإذا قلت أرجأت غريمي، كان المراد أنك أخرت قضاء دينه إلى وقت يأتي. والإِيواء حقيقته جعل الشيء آوياً، أي راجعاً إلى مكانه. يقال آوى، إذا رجع إلى حيث فارق، وهو هنا مجاز في مطلق الاستقرار سواء كان بعد إبعاد أم بدونه، وسواء كان بعد سبق استقرار بالمكان أم لم يكن. ومقابلة الإِرجاء بالإِيواء تقتضي أن الإِرجاء مراد منه ضد الإِيواء أو أن الإِيواء ضد الإِرجاء وبذلك تنشأ احتمالات في المراد من الإِرجاء والإِيواء صريحهما وكنايتهما. فضمير { منهن } عائد إلى النساء المذكورات ممن هن في عصمته ومن أحل الله له نكاحهن غيرهن من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، والواهبات أنفسهن، فتلك أربعة أصناف الصنف الأول وهنّ اللاء في عصمة النبي عليه الصّلاة والسّلام فهن متصلن به فإرجاء هذا الصنف ينصرف إلى تأخير الاستمتاع إلى وقت مستقبل يريده، والإِيواء ضده. فيتعين أن يكون الإِرجاء منصرفاً إلى القَسْم فوسع الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أباح له أن يسقط حق بعض نسائه في المبيت معهن فصار حق المبيت حقاً له لا لهن بخلاف بقية المسلمين، وعلى هذا جرى قول مجاهد وقتادة وأبي رزين، قاله الطبري. وقد كانت إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أسقطت عنه حقها في المبيت وهي سودة بنت زمعة، وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة وكان ذلك قبل نزول هذه الآية، ولما نزلت هذه الآية صار النبي عليه الصلاة والسلام مخيراً في القسم لأزواجه. وهذا قول الجمهور، قال أبو بكر بن العربي وهو الذي ينبغي أن يعول عليه. وهذا تخيير للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يأخذ لنفسه به تكرماً منه على أزواجه. قال الزهري. ما علمنا أن رسول الله أرجأ أحداً من أزواجه بل آواهن كلَّهن.

السابقالتالي
2 3 4