الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ ٱللاَّتِىۤ ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ وبنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ وامْرَأَةً مُّؤمِنَةً إن وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِىِّ إنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ }. نداء رابع خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم في شأن خاص به هو بيان ما أحلّ له من الزوجات والسراري وما يزيد عليه وما لا يزيد مما بعضه تقرير لتشريع له سابق وبعضه تشريع له للمستقبل، ومما بعضه يتساوى فيه النبي عليه الصلاة والسلام مع الأمة وبعضه خاص به أكرمه الله بخصوصيته مما هو توسعة عليه، أو مما روعي في تخصيصه به علوّ درجته. ولعل المناسبة لورودها عقب الآيات التي قبلها أنه لما خاض المنافقون في تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنتِ جحش وقالوا تزوج من كانت حليلة متبنّاه، أراد الله أن يجمع في هذه الآية مَن يحل للنبي تزوجهن حتى لا يقع الناس في تردد ولا يفتنهم المرجفون. ولعل ما حدث من استنكار بعض النساء أن تهدي المرأة نفسها لرجل كان من مناسبات اشتمالها على قوله { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } الآية، ولذلك جمعت الآية تقرير ما هو مشروع وتشريع ما لم يكن مشروعاً لتكون جامعة للأحوال، وذلك أوعب وأقطع للتردد والاحتمال. فأما تقرير ما هو مشروع فذلك من قوله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهن } إلى قوله { وبنات خالاتك } ، وأما تشريع ما لم يكن مشروعاً فذلك من قوله { اللاتي هاجرن معك } إلى قولهولا أن تبدل بهن من أزواج } الأحزاب 52. فقوله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك } خبر مُراد به التشريع. ودخول حرف إنّ عليه لا ينافي إرادة التشريع إذ موقع إنَّ هنا مجرد الاهتمام، والاهتمام يناسب كلاّ من قصد الإِخبار وقصدِ الإِنشاء، ولذلك عُطفت على مفعول { أحللنا } معطوفات قيدت بأوصاف لم يكن شرعها معلوماً من قبل وذلك في قوله { وبنات عمك } وما عطف عليه باعتبار تقييدهن بوصف { اللاتي هاجرن معك } ، وفي قوله { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها } باعتبار تقييدها بوصف الإِيمان وتقييدها بـــ«إن وهبت نفسها للنبي وأراد النبي أن يستنكحها». هذا تفسير الآية على ما درج عليه المفسرون على اختلاف قليل بين أقوالهم. وعندي أن الآية امتنان وتذكير بنعمة على النبي صلى الله عليه وسلم وتؤخذ من الامتنان الإِباحة ويؤخذ من ظاهر قولهلا يحل لك النساء من بعد } الأحزاب 52 الاقتصار على اللاتي في عصمته منهن وقت نزول الآية، ولتكون هذه الآية تمهيداً لقوله تعالى { لا يحل لك النساء من بعد } الخ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7