الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } أعيد خطابهن من جانب ربهنّ وأعيد نداؤهن للاهتمام بهذا الخبر اهتماماً يخصُّه. وأحد اسم بمعنى واحد مثلقل هو الله أحد } الإخلاص 1 وهمزته بدل من الواو. وأصلهُ وَحَد بوزن فَعَل، أي متوحِّد، كما قالوا فَرَد بمعنى منفرد. قال النابغة يذكر ركوبه راحلته
كان رحلي وقد زال النهار بنا يوم الجليل على مستأنس وَحد   
يُريد على ثور وحشي منفرد. فلما ثقل الابتداء بالواو شاع أن يقولوا أَحد، وأكثر ما يستعمل في سياق النفي، قال تعالىفما منكم من أحد عنه حاجزين } الحاقة 47 فإذا وقع في سياق النفي دل على نفي كل واحد من الجنس. ونفي المشابهة هُنا يراد به نفي المساواة مكنَّى به عن الأفضلية على غيرهنّ مثل نفي المساواة في قوله تعالىلا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله } النساء 95، فلولا قصد التفضيل ما كان لزيادةغير أولي الضرر } وجد ولا لسبب نزولها داع كما تقدم في سورة النساء 95. فالمعنى أنتُنَّ أفضل النساء، وظاهره تفضيل لجملتهن على نساء هذه الأمة، وسبب ذلك أنهن اتصَلْنَ بالنبي عليه الصلاة والسلام اتصالاً أقرب من كل اتصال وصرن أنيساته ملازمات شؤونه فيختصصن باطلاع ما لم يطلع عليه غيرُهن من أحواله وخلقه في المنشط والمكره، ويتخلقن بخلقه أكثر مما يقتبس منه غيرهن، ولأن إقباله عليهن إقبالٌ خاص، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم " حُبِّب إليكم من دنياكم النساء والطيب " ، وقال تعالىوالطيبات للطيبين } النور 26. ثم إن نساء النبي عليه الصلاة والسلام يتفاضلن بينهن. والتقييد بقوله { إن اتقيتن } ليس لقصد الاحتراز عن ضد ذلك وإنما هو إلْهاب وتحريض على الازدياد من التقوى، وقريب من هذا المعنى " قول النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة «إن عبد الله يعني أخاها رجل صالح لو كان يَقوم من الليل»، فلما أبلغت حفصة ذلك عبد اللَّه بن عمر لم يترك قيام الليل " بعد ذلك لأنه علم أن المقصود التحريض على القيام. وفعل الشرط مستعمل في الدلالة على الدوام، أي إن دمتنّ على التقوى فإن نساء النبي صلى الله عليه وسلم مُتَّقِيات من قبلُ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله. واعلم أن ظاهر هذه الآية تفضيل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على جميع نساء هذه الأمة. وقد اختُلِف في التفاضل بين الزوجات وبين بنات النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأشعري الوقف في ذلك، ولعل ذلك لتعارض الأدلة السمعية ولاختلاف جهات أصول التفضيل الدينية والروحية بحيث يعسر ضبطها بضوابط. أشار إلى جملة منها أبو بكر بن العربي في «شرح الترمذي» في حديث رؤيا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ميزاناً نزل من السماء فوُزن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فرجح النبي صلى الله عليه وسلم ووُزن أبو بكر وعُمر فرجح أبو بكر، ووُزن عمر وعثمان فرجح عُمر، ثم رُفع الميزان.

السابقالتالي
2 3