الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً }

هؤلاء هم بنو حارثة وبنو سَلِمة وهم الذين قال فريق منهمإن بيوتنا عورة } الأحزاب 13 واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أي كانوا يوم أُحُد جبُنوا ثم تابوا وعاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يُولُّون الأدبار في غزوة بعدها، وهم الذين نزل فيهم قوله تعالىإذ همَّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما } آل عمران 122 فطَرأ على نفر من بني حارثة نفاق وضعف في الإيمان فذكَّرهم الله بذلك وأراهم أن منهم فريقاً قُلَّباً لا يرعى عهداً ولا يستقر لهم اعتقاد وأن ذلك لضعف يقينهم وغلبة الجبن عليهم حتى يدعوهم إلى نبذ عهد الله. وهذا تنبيه للقبيلين ليزجروا مَنْ نكث منهم. وتأكيد هذا الخبر بلام القسم وحرف التحقيق وفعل كان، مع أن الكلام موجه إلى المؤمنين تنزيلاً للسامعين منزلة من يتردد في أنهم عاهدوا الله على الثبات. وزيادة { من قبل } للإشارة إلى أن ذلك العهد قديم مستقر وهو عهد يوم أحد. وجملة { لا يولون الأدبار } بيان لجملة { عاهدوا }. والتولية التوجه بالشيء وهي مشتقة من الوَلْي وهو القرب، قال تعالىفوَلِّ وجهَك شطر المسجد الحرام } البقرة 144. و { الأدبار } الظهور. وتولية الأدبار كناية عن الفرار فإن الذي استأذنوا لأجله في غزوة الخندق أرادوا منه الفرار ألا ترى قولهإن يريدون إلا فراراً } الأحزاب 13، والفرار مما عاهدوا الله على تركه. وجملة { وكان عهد الله مسؤولا } تذييل لجملة { ولقد كانوا عاهدوا } الخ... والمراد بعهد الله كل عهد يوثقه الإنسان مع ربه. والمسؤول كناية عن المحاسب عليه كقول النبي صلى الله عليه وسلم " وكلكم مسؤول عن رعيته " وكما تقدم آنفاً عند قوله تعالىليسأل الصادقين عن صدقهم } الأحزاب 8 وهذا تهديد.