الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

افتتاح السورة بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم وندائه بوصفه مُؤذِنٌ بأن الأهم من سوق هذه السورة يتعلق بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نودي فيها خمس مرات في افتتاح أغراض مختلفة من التشريع بعضها خاص به وبعضها يتعلق بغيره وله ملابسة به. فالنداء الأول لافتتاح غرض تحديد واجبات رسالته نحو ربه. والنداء الثاني لافتتاح غرض التنويه بمقام أزواجه واقترابه من مقامه. والنداء الثالث لافتتاح بيان تحديد تقلبات شؤون رسالته في معاملة الأمة. والنداء الرابع في طالعَة غرض أحكام تزوجه وسيرته مع نسائه. والنداء الخامس في غرض تبليغه آداب النساء من أهل بيته ومن المؤمنات. فهذا النداء الأول افتتح به الغرض الأصلي لبقية الأغراض وهو تحديد واجبات رسالته في تأدية مراد ربه تعالى على أكمل وجه دون أن يفسد عليه أعداء الدين أعماله، وهو نظير النداء الذي في قولهيا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } المائدة 67 الآية، وقولهيا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } المائدة 41 الآيات. ونداء النبي عليه الصلاة والسلام بوصف النبوءة دون اسمه العلم تشريف له بفضل هذا الوصف ليُربأ بمقامه عن أن يخاطب بمثل ما يخاطب به غيره ولذلك لم يناد في القرآن بغير { يا أيها النبي } أويا أيها الرسول } المائدة 67 بخلاف الإخبار عنه فقد يجيء بهذا الوصف كقولهيوم لا يُخزِي الله النبي } التحريم 8وقال الرسول يا رب } الفرقان 30قل الأنفال لله والرسول } الأنفال 1النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } الأحزاب 6، ويجيء باسمه العلم كقولهما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم } الأحزاب 40. وقد يتعين إجراء اسمه العلم ليوصف بعده بالرسالة كقوله تعالىمحمد رسولُ الله } الفتح 29 وقولهوما محمد إلا رسولٌ } آل عمران 144. وتلك مقامات يقصد فيها تعليم الناس بأن صاحب ذلك الاسم هو رسول الله، أو تلقين لهم بأن يسمُّوه بذلك ويدْعوه به، فإن علم أسمائه من الإيمان لئلا يلتبس بغيره، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لي خمسة أسماءٍ أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب " تعليماً للأمة. وقد أنهى أبو بكر ابن العربي أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إلى سبعة وستين وأنهاها السيوطي إلى ثلاثمائة. وذكر ابن العربي أن بعض الصوفية قال أسماء النبي ألفَا اسم كما سيأتي عند قوله تعالىيا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } الأحزاب 45. والأمر للنبيء بتقوى الله توطئة للنهي عن اتّباع الكافرين والمنافقين ليحصل من الجملتين قصرُ تقواه على التعلق بالله دون غيره، فإن معنى { لا تطع } مرادف معنى لاَ تَتَّقِ الكافرين والمنافقين، فإن الطاعة تقوى فصار مجموع الجملتين مفيداً معنى يأيها النبي لا تتق إلا الله، فعدل عن صيغة القصر وهي أشهر في الكلام البليغ وأوجز إلى ذكر جملتي أمر ونهي لقصد النص على أنه قصر إضافي أريد به أن لا يطيع الكافرين والمنافقين لأنه لو اقتصر على أن يُقال لا تتق إلا الله لما أصاخت إليه الأسماع إصاخة خاصة لأن تقوى النبي صلى الله عليه وسلم ربه أمر معلوم، فسلك مسلك الإطناب لهذا، كقول السموْأل

السابقالتالي
2 3