الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

تكرر فيما سبق من هذه السورة وصف الله تعالى بإحاطة العلم بجميع الأشياء ظاهرةً وخفيةً فقال فيما حكى من وصية لقمانإنها إن تكُ مثقالُ حبة من خردل } لقمان 16 إلى قولهلطيف خبير } لقمان 16، وقال بعد ذلكفنُنبئُهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور } لقمان 23 فعقب ذلك بإثبات أن لعلم الله تعالى مظاهرَ يبلّغ بعضها إلى من اصطفاه من رسله بالوحي مِما تقتضي الحكمة إبلاغه، وأنه يستأثر بعلم ما اقتضت حكمته عدم إبلاغه، وأنه لو شاء أن يبلغ ما في علمه لما وفّت به مخلوقاته الصالحة لتسجيل كلامه بالكتابة فضلاً على الوفاء بإبلاغ ذلك بواسطة القول. وقد سُلك في هذا مسلك التقريب بضرب هذا المثل وقد كان ما قُصَّ من أخبار الماضين موطئاً لهذا فقد جرت قصة لقمان في هذه السورة كما جرت قصة أهل الكهف وذي القرنين في سورة الكهف 109 فعقبتا بقوله في آخر السورةقل لو كان البحر مِدَاداً لكلمات ربي لَنَفِد البحر قبل أن تَنْفَد كلماتُ ربي ولو جئنا بمثله مَدَداً } وهي مشابهة للآية التي في سورة لقمان. فهذا وجه اتصال هذه الآية بما قبلها من الآيات المتفرقة. ولما في اتصال الآية بما قبلها من الخفاء أخذ أصحاب التأويل من السلف من أصحاب ابن عباس في بيان إيقاع هذه الآية في هذا الموْقع. فقيل سبب نزولها ما ذكره الطبري وابن عطية والواحدي عن سعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن يسار بروايات متقاربة أن اليهود سألوا رسول الله أو أغَروا قريشاً بسؤاله لمَّا سمعوا قول الله تعالى في شأنهمويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } الإسراء 85 فقالوا كيف وأنت تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سألوه هي في علم الله قليل، ثم أنزل الله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } الآيتين أو الآيات الثلاثَ. وعن السدّي قالت قريش ما أكثر كلامَ محمدٍ فنزلت { ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام } الآية. وعن قتادة قالت قريش سيتِمّ هذا الكلام لمحمد وينحسِر ــــ أي محمد صلى الله عليه وسلم فلا يقول بعده كلاماً ــــ. وفي رواية سينفَدُ هذا الكلام. وهذه يرجع بعضها إلى أن هذه الآية نزلت بالمدينة فيلزم أن يكون وضعها في هذا الموضع من السورة بتوقيف نبوي للمناسبة التي ذكرناها آنفاً، وبعضها يرجع إلى أنها مكية فيقتضي أن تكون نزلت في أثناء نزول سورة لقمان على أن توضع عقب الآيات التي نزلت قبلها. و { كلمات } جمع كلمة بمعنى الكلام كما في قوله تعالى

السابقالتالي
2