الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ }

هذا مقابل قولهومن الناس من يجادل في الله بغير علم } لقمان 20 إلى قولهيدعوهم إلى عذاب السعير } لقمان 21، فأولئك الذين اتبعوا ما وجدوا ءاباءهم عليه من الشرك على غير بصيرة فوقعوا في العذاب، وهؤلاء الذين لم يتمسكوا بدين آبائهم وأسلموا لله لما دعاهم إلى الإسلام فلم يصدّهم عن اتباع الحق إلف ولا تقديس آباء فأولئك تعلقوا بالأوهام واستمسكوا بها لإرضاء أهوائهم، وهؤلاء استمسكوا بالحق إرضاء للدليل وأولئك أرضوا الشيطان وهؤلاء اتّبعوا رضى الله. وإسلام الوجه إلى الله تمثيل لإفراده تعالى بالعبادة كأنه لا يقبل بوجهه على غير الله، وقد تقدم في قوله تعالىبَلى مَن أسلم وجهه لله وهو محسن } في سورة البقرة 112، وقولهفَقُل أسلَمْتُ وجهيَ لله } في سورة آل عمران 20. وتعدية فعل { يُسْلم } بحرف { إلى } هنا دون اللام كما في آيتي سورة البقرة 112 وسورة آل عمران 20 عند الزمخشري مجاز في الفعل بتشبيه نفس الإنسان بالمتاع الذي يدفعه صاحبه إلى آخر ويَكِلُه إليه. وحقيقته أن يعدى باللام، أي وجهه وهو ذاته سالماً لله، أي خالصاً له كما في قوله تعالىفإن حاجُّوك فقل أسلمتُ وجهيَ لله } في سورة آل عمران 20. والإحسان العمل الصالح والإخلاص في العبادة. وفي الحديث " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " والمعنى ومن يسلم إسلاماً لا نفاق فيه ولا شك فقد أخذ بما يعتصم به من الهُوِيّ أو التزلزل. وقوله { فقد استمسك بالعروة الوثقى } مضى الكلام على نظيره عند قوله تعالىفمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } في سورة البقرة 256، وهو ثناء على المسلمين. وتذييل هذا بقوله { وإلى الله عاقبة الأمور } إيماء إلى وعدهم بلقاء الكرامة عند الله في آخر أمرهم وهو الحياة الآخرة. والتعريف في { الأمور } للاستغراق، وهو تعميم يراد به أن أمور المسلمين التي هي من مشمولات عموم الأمور صائرة إلى الله وموكولة إليه فجزاؤهم بالخير مناسب لعظمة الله. والعاقبة الحالة الخاتمة والنهاية. و { الأمور } جمع أمر وهو الشأن. وتقديم { إلى الله } للاهتمام والتنبيه إلى أن الراجع إليه يلاقي جزاءه وافياً.