الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

{ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَـٰهِرَةً وَبَاطِنَةً } رجوع إلى تعداد دلائل الوحدانية وما صحب ذلك من منة على الخلق، فالكلام استئناف ابتدائي عن الكلام السابق ورجوع إلى ما سلف في أول السورة في قوله تعالىخَلَق السَّماوات بِغَير عمد } لقمان 10 فإنه بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض والحيوان والأمطار عاد هنا الاستدلال والامتنان بأن سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض. وقد مضى الكلام على هذا التسخير في تفسير قوله تعالىالله الذي خلق السماوات والأرض } الآيات من سورة إبراهيم 32، وكذلك في سورة النحل 3. ومعنى { سخر لكم } لأجلكم لأن من جملة ذلك التسخير ما هو منافع لنا من الأمطار والرياح ونور الشمس والقمر ومواقيت البروج والمنازل والاتجاه بها. والخطاب في { ألم تروا } يجوز أن يكون لجميع الناس مؤمنهم ومشركهم لأنه امتنان، ويجوز أن يكون لخصوص المشركين باعتبار أنه استدلال. والاستفهام في { ألم تروا } تقرير أو إنكار لِعدم الرؤية بتنزيلهم منزلة من لم يروا آثار ذلك التسخير لعدم انتفاعهم بها في إثبات الوحدانية. والرؤية بصرية. ورؤية التسخير رؤية آثاره ودلائله. ويجوز أن تكون الرؤية علمية كذلك، والخطاب للمشركين كما في قوله { خلق السماوات بغير عَمد ترونها }. وإسباغ النِعم إكثارها. وأصل الإسباغ جعل ما يلبس سابغاً، أي وافياً في الستر. ومنه قولهم درع سابغة. ثم استعير للإكثار لأن الشيء السابغ كثير فيه ما يتخذ منه من سَرْد أو شُقَق أثواب، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فقيل سوابغ النعم. والنعمة المنفعة التي يقصد بها فاعلُها الإحسان إلى غيره. وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر { نِعَمهُ } بصيغة جمع نعمة مضاف إلى ضمير الجلالة، وفي الإضافة إلى ضمير الله تنويه بهذه النِعم. وقرأ الباقون { نِعْمَةً } بصيغة المفرد، ولما كان المراد الجنس استوى فيه الواحد والجمع. والتنكير فيها للتعظيم فاستوى القراءتان في إفادة التنويه بما أسبغ الله عليهم. وانتصب { ظاهرة وباطنة } على الحال على قراءة نافع ومن معه، وعلى الصفة على قراءة البقية. والظاهرة الواضحة. والباطنة الخفية وما لا يعلم إلا بدليل أو لا يعلم أصلاً. وأصل الباطنة المستقرة في باطن الشيء أي داخله، قال تعالىباطنه فيه الرحمة } الحديد 13 فكم في بدن الإنسان وأحواله من نِعم يعلمها الناس أو لا يعلمها بعضُهم، أو لا يعلمها إلا العلماء، أو لا يعلمها أهل عصر ثم تنكشف لمن بعدهم، وكلا النوعين أصناف دينية ودنيوية من آية 20 إلى آية 21. { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } الواو في قوله { ومن الناس من يجادل } واو الحال.

السابقالتالي
2