الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

الواو عاطفة قصة لقمان على قصة النضر بن الحارث المتقدمة في قوله تعالىومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } لقمان 6 باعتبار كونها تضمنت عجيب حاله في الضلالة من عنايته بلهو الحديث ليضل عن سبيل الله ويتخذ سبيل الله هزؤاً، وباعتبار كون قصة لقمان متضمنة عجيب حال لقمان في الاهتداء والحكمة، فهما حالان متضادان فقُطِع النظر عن كون قصة النضر سيقت مساق المقدمة والمدخل إلى المقصود لأن الكلام لما طال في المقدمة خرجت عن سَنن المقدمات إلى المقصودات بالذات فلذلك عطفت عطفَ القصص ولم تُفصل فَصْل النتائج عقب مقدماتها. وقد تتعدد الاعتبارات للأسلوب الواحد فيتخير البليغ في رعيها كقوله تعالىيسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم } في سورة البقرة 49،ويذبحون أبناءكم } في سورة إبراهيم1. وافتتاح القصة بحرفي التوكيد لام القسم وقد للإنباء بأنها خبر عن أمر مهم واقع. و { لقمان } اسم رجل حكيم صالح، وأكثر الروايات في شأنه التي يعضد بعضها وإن كانت أسانيدها ضعيفة تقتضي أنه كان من السود، فقيل هو من بلاد النوبة، وقيل من الحبشة. وليس هو لقمان بن عاد الذي قال المثل المشهور إحدى حُظيات لقمان. والذي ذكره أبو المهوش الأسدي أو يزيد بن عمر يصعق في قوله
تراه يطوف الآفاق حرصاً ليأكل رأس لقمان بن عاد   
ويعرف ذلك بلقمان صاحب النسور، وهو الذي له ابن اسمه لقيم وبعضهم ذكر أن اسم أبيه باعوراء، فسبق إلى أوهام بعض المؤلفين أنه المسمى في كتب اليهود بلعام بن باعوراء المذكور خبره في «الإصحاحين» 22 و23 من «سفر العدد»، ولعل ذلك وهَم لأن بلعام ذلك رجل من أهل مَدْيَن كان نبيئاً في زمن موسى عليه السلام، فلعل التوهم جاء من اتحاد اسم الأب، أو من ظن أن بلعام يرادف معنى لقمان لأن بلعام من البلع ولقمان من اللّقم فيكون العرب سموه بما يرادف اسمه في العبرانية. وقد اختلف السلف في أن لقمان المذكور في القرآن كان حكيماً أو نبيئاً. فالجمهور قالوا كان حكيماً صالحاً. واعتمد مالك في «الموطأ» على الثاني، فذكره في «جامع الموطأ» مرتين بوصف لقمان الحكيم، وذلك يقتضي أنه اشتهر بذلك بين علماء المدينة. وذكر ابن عطية أن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لم يكن لقمان نبيئاً ولكن كان عبداً كثير التفكر حسنَ اليقين أحبَّ الله تعالى فأحبه فمنَّ عليه بالحكمة " ويظهر من الآيات المذكورة في قصته هذه أنه لم يكن نبيئاً لأنه لم يمتن عليه بوحي ولا بكلام الملائكة. والاقتصارُ على أنه أوتي الحكمة يومىء إلى أنه أُلهم الحكمة ونطق بها، ولأنه لما ذكر تعليمه لابنه قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4