الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ }

ختمت الآيات بهذه الآية السادسة وهي التي دلت على عظيم القدرة على حفظ نظام المخلوقات العظيمة بعد خلقها فخلقُ السماوات والأرض آيةٌ مستقلة تقدمت، وبقاء نظامهما على ممر القرون آية أخرى. وموقع العبرة من هاته الآية هو أولها وهو أن تقوم السماء والأرض هذا القيام المتقن بأمر الله دون غيره. فمعنى القيام هنا البقاء الكامل الذي يشبه بقاء القائم غير المضطجع وغير القاعد من قولهم قامت السوق، إذا عظم فيها البيع والشراء. وهذا هو المعبر عنه في قوله تعالىإن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } فاطر 41 وقولهويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } الحج 65. والأمر المضاف إلى الله هو أمره التكويني وهو مجموع ما وضعه الله من نظام العالم العلوي والسفلي، ذلك النظامَ الحارس لهما من تطرق الاختلال بإيجاد ذلك النظام. و { بأمره } متعلق بفعل { تقوم، } والباء للسببية. و { ثم } عاطفة الجملة على الجملة. والمقصود من الجملة المعطوفة الاحتراس عما قد يتوهم من قوله { أن تقوم السماء والأرض بأمره } من أبدية وجود السماوات والأرض، فأفادت الجملة أن هذا النظام الأرضي يعتوره الاختلال إذا أراد الله انقضاء العالم الأرضي وإحضار الخلق إلى الحشر تسجيلاً على المشركين بإثبات البعث. فمضمون جملة { إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } ليس من تمام هذه الآية السادسة ولكنه تكملة وإدماج موجه إلى منكري البعث. وفي متعلق المجرور في قوله { مِنَ الأرْض } اضطراب فالذي ذهب إليه صاحب «الكشاف» أنه متعلق بــــ { دعاكم } لأن { دعاكم } لما اشتمل على فاعل ومفعول فالمتعلق بالفعل يجوز أن يكون من شؤون الفاعل ويجوز أن يكون من شؤون المفعول على حسب القرينة، كما تقول دعوت فلاناً من أعلى الجبل فنزل إليّ، أي دعوته وهو في أعلى الجبل. وهذا الاستعمال خلاف الغالب ولكن دلت عليه القرينة مع التفصي من أن يكون المجرور متعلقاً بــــ { تخرجون } لأن ما بعد حرف المفاجأة لا يعمل فيما قبلها، على أن في هذا المنع نظراً. ولا يجوز تعليقه بــــ { دعوة } لعدم اشتمال المصدر على فاعل ومفعول، وهو وجيه وكفاك بذوق قائله. وأقول قريب منه قوله تعالىأولئك يُنادَوْن من مكان بعيد } فصلت 44. و { مِن } لابتداء المكان، والمجرور ظرف لغو. ويجوز أن يكون المجرور حالاً من ضمير النصب في { دَعَاكم } فهو ظرف مستقر. ويجوز أن يكون { من الأرض } متعلقاً بــــ { تخرجون } قدم عليه. وهذا ذكر في «مغني اللبيب» أنه حكاه عنهم أبو حاتم في كتاب «الوقف»، وهذا أحسن وأبعد عن التكلف، وعليه فتقديم المجرور للاهتمام تعريضاً بخطئهم إذ أحالوا أن يكون لهم خروج من الأرض عن بعد صيرورتهم فيها في قولهم المحكي عنهم بقوله تعالىوقالوا أإذا ضَلَلْنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد }

السابقالتالي
2