الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

انتقال من تمهيدات سبب السورة إلى واسطة بين التمهيد والمقصد، كطريقة التخلّص، فهذا تخلّص لمحاجّة وفد نَجْرَانَ وقد ذكرناه في أول السورة، فابتُدىء هنا بذكر آدم ونوح وهما أبَوا البشر أو أحدُهما وذكر إبراهيم وهو أبو المقصودين بالتفضيل وبالخطاب. فأما آدم فهو أبو البشر باتفاق الأمم كلها إلاّ شذوذاً من أصحاب النزعات الإلحادية الذين ظهروا في أوروبا واخترعوا نظرية تسلسل أنواع الحيوان بعضها من بعض وهي نظرية فائلة. وآدم اسم أبي البشر عند جميع أهل الأديان، وهو علَم عليه وضعه لنفسه بإلهام من الله تعالى كما وضع مبدأ اللغة، ولا شك أنّ من أول ما يحتاج إليه هو وزوجه أن يعبِّر أحدهما للآخر، وظاهر القرآن أنّ الله أسماه بهذا الاسم من قبل خروجه من جنة عدن ولا يجوز أن يكون اسمه مشتقاً من الأدمة، وهي اللون المخصوص لأنّ تسمية ذلك اللون بالأدمة خاص بكلام العرب فلعلّ العرب وضعوا اسم ذلك اللون أخذاً من وصف لَون آدم أبي البشر. وقد جاء في سفر التكوين من كتاب العهد عند اليهود ما يقتضى أنّ آدم وُجد على الأرض في وقت يوافق سنة 3942 اثنتين وأربعين وتسعمائة وثلاثة آلاف قبل ميلاد عيسى وأنه عاش تسعمائة وثلاثين سنة فتكون وفاته في سنة 3012 اثنتي عشرة وثلاثة آلاف قبل ميلاد عيسى هذا ما تقبّله المؤرّخون المتبعون لضبط السنين. والمظنون عند المحققين الناظرين في شواهد حَضارة البشرية أنّ هذا الضبط لا يُعتمد، وأن وجود آدم متقادم في أزمنة مترامية البعد هي أكثر بكثير مما حدّده سفر التكوين. وأمّا نوح فتقول التوراة إنه ابن لاَمك وسمّي عند العرب لَمَك بن متوشالخ بن أخنوخَ وهو إدريس عند العرب ابن يارد بتحتية في أوله بن مَهلئيل بميم مفتوحة فهاء ساكنة فلام مفتوحة بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وعلى تقديرها وتقدير سني أعمارهم يكون قد ولد سنة ست وثمانين وثمانمائة وألفين قبل ميلاد عيسى وتوفي سنة ست وثلاثين وتسعمائة وألف قبل ميلاد عيسى والقول فيه كما تقدم في ضبط تاريخ وجود ءادم. وفي زمن نوح وقع الطوفان على جميع الأرض ونجاه الله وأولادَه وأزواجهم في الفُلْك فيكون أباً ثانياً للبشر. ومن الناس من يدّعى أنّ الطوفان لم يعم الأرض وعلى هذا الرأي ذهب مؤرّخو الصين وزعموا أنّ الطوفان لم يشمل قطرهم فلا يكون نوح عندهم أباً ثانياً للبشر. وعلى رأي الجمهور فالبشر كلهم يرجعون إلى أبناء نوح الثلاثة سام، حام، ويافث، وهو أول رسول بعثه الله إلى الناس حسب الحديث الصحيح، وعُمِّر نوح تسعماية وخمسين سنة على ما في التوراة فهو ظاهر قوله تعالى

السابقالتالي
2