الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

استئناف ابتدائي المقصود منه التعريض بأهل الكتاب بأنّ إعراضهم إنّما هو حسد على زوال النبوءة منهم، وانقراض الملك منهم، بتهديدهم وبإقامة الحجة عليهم في أنّه لا عجب أن تنتقل النبوءة من بني إسرائيل إلى العرب، مع الإيماء إلى أنّ الشريعة الإسلامية شريعة مقارنة للسلطان والمُلك. و { اللهم } في كلام العرب خاص بنداء الله تعالى في الدعاء، ومعناه يا الله. ولما كثر حذف حرف النداء معه قال النحاة إنّ الميم عوض من حرف النداء يريدون أنّ لحاق الميم باسم الله في هذه الكلمة لما لم يقع إلاّ عند إرادة الدعاء صار غنيّاً عن جلب حرف النداء اختصاراً، وليس المراد أنّ الميم تفيد النداء. والظاهر أنّ الميم علامة تنوين في اللغة المنقول منها كلمة اللَّهم من عبرانية أو قحطانية وأنّ أصلها لاَ هُم مرداف إله. ويدل على هذا أنّ العرب نطقوا به هكذا في غير النداء كقول الأعشى
كدعوةٍ من أبي رباح يَسْمَعُها اللهُم الكبير   
وأنّهم نطقوا به كذلك مع النداء كقولِ أبي خراش الهذلي
إنِّي إذا ما حَدَتٌ ألَمَّا أقُول يا اللهُمّ يا اللهُمّا   
وأنّهم يقولون يا الله كثيراً. وقال جمهور النحاة إنّ الميم عوض عن حرف النداء المحذوف وإنّه تعويض غير قياسي وإنّ ما وقع على خلاف ذلك شذوذ. وزعم الفراء أنّ اللهم مختزل من اسم الجلالة وجملة أصلها «يا الله أمّ» أي أقبل علينا بخير، وكل ذلك تكلّف لا دليل عليه. والمالك هو المختصّ بالتصرّف في شيء بجميع ما يتصرّف في أمثاله مما يُقصد له من ذواتها، ومنافعها، وثمراتها، بما يشاء فقد يكون ذلك بالانفراد، وهو الأكثر، وقد يكون بمشاركةٍ واسعةٍ، أو ضيّقة. والمُلك بضم الميم وسكون اللام نوع من المِلك بكسر الميم - فالملك بالكسر - جنسٌ والمُلك - بالضم - نوعٌ منه وهو أعلى أنواعه، ومعناه التصرّف في جماعة عظيمة، أو أمة عديدة تصرُّف التدبير للشؤون، وإقامةِ الحقوق، ورعاية المصالح، ودفع العدوان عنها، وتوجيهها إلى ما فيه خيرها، بالرغبة والرهبة. وانظر قوله تعالىقالوا أنّى يكون له المُلك علينا } في سورة البقرة 247 وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالىمالك يوم الدين } الفاتحة 4، فمعنى مالك الملك أنّه المتصرّف في نوع الملك بالضم بما يشاء، بأن يراد بالمُلك هذا النوع. والتعريف في المُلك الأول لاستغراق الجنس أي كل ملك هو في الدنيا. ولما كان المُلك ماهية من المواهي، كان معنى كون الله مالك المُلك أنّه المالك لتصريف المُلك، أي لإعطائه، وتوزيعه، وتوسيعه، وتضييقه، فهو على تقدير مضاف في المعنى. والتعريف في المُلك الثاني والثالث للجنس، دون استغراق أي طائفة وحصّة من جنس المُلْك، والتعويل في الفرق بين مقدار الجنس على القرائن.

السابقالتالي
2 3