الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } * { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

ابتُدِىء الكلام بمسند إليه خَبرُه فِعْلِيُّ لإفادة تقوية الخبر اهتماماً به. وجيء بالاسم العلَم لتربية المهابة عند سماعه، ثم أردف بجملة " لا إله إلاّ هو " جملةً معترضة أو حاليةً، ردّاً على المشركين، وعلى النصارى خاصة. وأتبع بالوصفين { الحيّ القيوم } لنفي اللبس عن مسمَّى هذا الاسم، والإيماء إلى وجه انفراده بالإلاهية، وأنّ غيره لا يستأهلها لأنّه غير حيّ أوْ غير قَيُّوم، فالأصنام لا حياة لها، وعيسى في اعتقاد النصارى قد أميت، فما هو الآن بقيوُّم ولا هو في حال حياته بقيّوم على تدبير العالم، وكيف وقد أوذِيَ في الله، وكُذّب، واختفّى من أعدائه. وقد مضى القول في معنى { الحيّ القيّوم } في تفسير آية الكرسي. وقوله { نزل عليك الكتاب } خبر عن اسم الجلالة. والخبر هنا مستعمل في الامتنان، أو هو تعريض ونكايةَ بأهل الكتاب الذين أنكروا ذلك. وجيء بالمسند فعلاً لإفادة تقوية الخبر، أو للدلالة - مع ذلك - على الاختصاص أي الله لا غيره نزّل عليك الكتاب إبطالاً لقول المشركين إنّ القرآن من كلام الشيطان، أو من طرائق الكهانة، أو يُعلِّمه بَشَرٌ. والتضعيف في { نَزّل } للتعدية فهو يساوي الهمز في أنزل، وإنّما التضعيف يؤذن بقوة الفعل في كيفيته أو كمّيته، في الفعل المتعدّي بغير التضعيف، من أجل أنّهم قد أتوا ببعض الأفعال المتعدّية، للدلالة على ذلك، كقولهم فَسَر وفسَّر، وفَرَق وفرّق، وكَسَر وكسّر، كما أتوا بأفعال قاصرة بصيغة المضاعفة، دون تعدية للدلالة على قوة الفعل، كما قالوا مَاتَ ومَوّت وصَاح وصَيّح. فأما إذا صار التضعيف للتعدية فلا أوقن بأنّه يدلّ على تقوية الفعل، إلاّ أن يقال إنّ العدول عن التعدية بالهمز، إلى التعدية بالتضعيف، لقصد ما عُهد في التضعيف من تَقوية معنى الفعل، فيكون قوله { نزّل عليك الكتاب } أهمّ من قوله { وأنزل التوراة } للدلالة على عظم شأن نزول القرآن. وقد بيّنت ذلك مستوفى في المقدّمة الأولى من هذا التفسير، ووقع في «الكشّاف»، هنا وفي مواضع متعدّدة، أن قال إن نزّل يدل على التنجيم وإنّ أنزل يدل على أنّ الكتابين أنزلا جملةً واحدة وهذا لا علاقة له بمعنى التقوية المُدّعَى للفعل المضاعف، إلاّ أن يعني أنّ نزّل مستعمل في لازم التكثير، وهو التوزيع ورّده أبو حيان بقوله تعالىوقال الذين كفروا لَوْلاَ نُزِّل عليه القرآن جُملة واحدة } الفرقان 32 فجمع بين التضعيف وقوله { جملة واحدة }. وأزيدُ أنّ التوراة والإنجيل نزلا مفرّقَين كشأن كلّ ما ينزل على الرسل في مدة الرسالة، وهو الحق إذ لا يعرف أنّ كتاباً نزل على رسول دفعة واحدة. والكتاب القرآن. والباء في قوله { بالحق } للملابسة، ومعنى ملابسته للحق اشتماله عليه في جميع ما يشتمل عليه من المعاني قال تعالى

السابقالتالي
2 3