هذه الآية مرتبطة بأصل الغرض المسوق له الكلام، وهو تسلية المؤمنين على ما أصابهم يوم أُحُد، وتفنيد المنافقين في مزَاعمهم أنّ الناس لو استشاروهم في القتال لأشاروا بما فيه سلامتهم فلا يهلكوا، فبعد أنّ بيّن لهم ما يدفع توهّمهم أنّ الانهزام كان خذلاناً من الله وتعجّبهم منه كيف يلحق قوماً خرجوا لنصر الدين وأن لا سبب للهزيمة بقوله{ إنما استزلهم الشيطان } آل عمران 155 ثم بيّن لهم أنّ في تلك الرزّية فوائد بقول الله تعالى{ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } آل عمران 153 وقوله{ وليعلم المؤمنين } آل عمران 166، ثم أمرهم بالتسليم لله في كلّ حال فقال{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } آل عمران 166 وقال{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم } آل عمران 156 الآية. وبيّن لهم أنّ قتلى المؤمنين الذين حزِنوا لهم إنّما هم أحياء، وأنّ المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم لا يضيع الله أجرهم ولا فَضْلَ ثباتهم، وبيّن لهم أنّ سلامة الكفّار لا ينبغي أن تُحزن المؤمنين ولا أن تسرّ الكافرين، وأبطل في خلال ذلك مقال المنافقين بقوله{ قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } آل عمران 154 وبقوله{ الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا } آل عمران 168 إلى قوله{ قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } آل عمران 168 ختم ذلك كلّه بما هو جامع للغرضين في قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } لأنّ المصيبة والحزن إنّما نشآ على موت من استشهد من خيرة المؤمنين، يعني أنّ الموت لمّا كان غاية كلّ حيّ فلو لم يموتوا اليوم لماتوا بعدَ ذلك فلا تأسفوا على موت قتلاكم في سبيل الله، ولا يفتنكم المنافقون بذلك، ويكون قوله بعده { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } قصر قلب لتنزيل المؤمنين فيما أصابهم من الحزن على قتلاهم وعلى هزيمتهم، منزلة من لا يترقّب من عمله إلاّ منافع الدنيا وهو النصر والغنيمة، مع أنّ نهاية الأجر في نعيم الآخرة، ولذلك قال { توفون أجوركم } أي تكمل لكم، وفيه تعريض، بأنّهم قد حصلت لهم أجور عظيمة في الدنيا على تأييدهم للدين منها النصر يوم بدر، ومنها كفّ أيدي المشركين عنهم في أيام مقامهم بمكّة إلى أن تمكّنوا من الهجرة. والذوق هنا أطلق على وِجدانِ الموت، تقدّم بيان استعماله عند قوله آنفاً{ ونقول ذوقوا عذاب الحريق } آل عمران 181 وشاع إطلاقه على حصول الموت، قال تعالى{ لا يذوقون فيها الموت } الدخان 56 ويقال ذاق طعم الموت. والتوفية إعطاء الشيء وافياً. ويطلقها الفقهاء على مطلق الإعطاء والتسليم، والأجور جمع الأجر بمعنى الثواب، ووجه جمعه مراعاة أنواع الأعمال. ويوم القيامة يومُ الحشر سمّي بذلك لأنّه يقوم فيه الناس من خمود الموت إلى نهوض الحياة.