الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }

ذكر ترغيباً وترهيباً، فجعل الموت في سبيل الله والموت في غير سبيل الله، إذا أعقبتهما المَغفرة خيراً من الحياة وما يجمعون فيها، وجعل الموت والقتل في سبيل الله وسيلة للحشر والحساب فلْيَعْلَم أحد بماذَا يُلاقي ربّه. والواو للعطف على قوله { لا تكذبوا كالذين كفروا } وعلى قولهوالله يحي ويميت } آل عمران 156 واللام في قوله { ولئن قتلتم } موطّئة للقسم أي مؤذنة بأنّ قبلها قسماً مقدّراً، ورد بعده شرط فلذلك لا تقع إلاّ مع الشرط. واللام في قوله { لمغفرة } هي لام جواب القسم. والجوابُ هو قوله { لمغفرة من الله ورحمة خير } لظهور أنّ التقدير لمغفرة ورحمة لكم. وقرأه نافع، وحمزة، والكسائي، وخلف مِتّم ـــ بكسر الميم ـــ على لغة الحجاز لأنَّهم جعلوا مَاضيهُ مثل خَاف، اعتبروه مكسور العين وجعلوا مضارعه من باب قَام فقالوا يموت، ولم يقولوا يمات، فهو من تداخل اللغتين. وأمَّا سُفلى مضر فقد جاءوا به في الحالين من باب قام فقرأوه مُتُّم. وبها قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عَمرو، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب. وقرأ الجمهور، { ممَّا تجمعون } ـــ بتاء الخطاب ـــ وقرأ حفص عن عاصم ـــ بياء الغائب ـــ على أنّ الضّمير عائد إلى المشركين أي خير لكم من غنائم المشركين الّتي جمعوها وطمعتم أنتم في غنمها. وقُدّم القتل في الأولى والموتُ في الثانية اعتباراً بعطف ما يظنّ أنّه أبْعد عن الحكم فإنّ كون القتل في سبيل الله سبباً للمغفرة أمر قريب، ولكن كون الموت في غير السبيل مثل ذلك أمر خفي مستبعد، وكذلك تقديم الموت في الثَّانية لأنّ القتل في سبيل الله قد يظنّ أنَّه بعيد عن أن يعقبه الحشر، مع ما فيه من التفنّن، ومن ردّ العجز على الصدر وجعل القتل مبدأ الكلام وعوده.