الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ }

عطف الإنكار على الملام المتقدّم في قوله تعالىأم حسبتم أن تدخلوا الجنة } آل عمران 142 وقولهولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } آل عمران 143 وكُلّ هاته الجمل ترجع إلى العتاب والتقريع على أحوال كثيرة، كانت سبب الهزيمة يوم أُحُد، فيأخذ كُلّ من حضر الوقعة من هذا الملام بنصِيبه المناسب لما يعلمه من حاله ظاهراً كان أم باطناً. والآية تشير إلى ما كان من المسلمين من الاضطراب حين أرجَف بموت الرّسول صلى الله عليه وسلم فقال المنافقون لو كان نبيّاً ما قتل، فارجعوا إلى دينكم القديم وإخوانكم من أهل مكَّة ونكلّم عبد الله بن أبَي يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، فهمّوا بترك القتال والانضمام للمشركين، وثبت فريق من المسلمين، منهم أنس بن النضر الأنصاري، فقال إن كان قُتل محمد فإنّ ربّ محمد حيّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده، فقاتلوا على ما قاتل عليه. ومحمد اسم رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم سمَّاه به جدّه عبد المطلب وقيل له لِمَ سَمّيتَه محمّداً وليس من أسماء آبائك؟ فقال رجوت أن يحمده النَّاس. وقد قيل لم يسمّ أحد من العرب محمداً قبل رسول الله. ذكر السهيلي في «الروض» أنّه لم يُسمّ به من العرب قبل ولادة رسول الله إلاّ ثلاثة محمد بن سفيان بن مجاشع، جدّ جدّ الفرزدق، ومحمد بن أحَيْحَةَ بن الجُلاَح الأوسي. ومحمد بن حمران مِن ربيعة. وهذا الاسم منقول من اسم مفعول حَمَّده تحميداً إذا أكثر من حمده، والرسول فَعول بمعنى مَفعول مثل قولهم حَلُوب ورَكوب وجَزور. ومعنى { خلت } مضت وانقرضت كقولهقد خلت من قبلكم سنن } آل عمران 137 وقول امرىء القيس مَن كان في العصر الخالي وقَصر محمداً على وصف الرسالة قَصْرَ موصوف على الصفة. قصراً إضافياً، لردّ ما يخالف ذلك ردّ إنكار، سواء كان قصر قلب أو قصر إفراد. والظاهر أنّ جملة { قد خلت من قبله الرسل } صفة «لرسول»، فتكون هي محطّ القصر أي ما هو إلاّ رسول موصوف بخلوّ الرسل قبله أي انقراضهم. وهذا الكلام مسوق لردّ اعتقاد من يعتقد انتفاء خلوّ الرسلِ مِن قبله، وهذا الاعتقاد وإن لم يكن حاصلاً لأحد من المخاطبين، إلاّ أنَّهم لمّا صدر عنهم ما من شأنه أن يكون أثراً لهذا الاعتقاد، وهو عزمهم على ترك نصرة الدّين والاستسلام للعدوّ كانوا أحرياء بأن ينزلوا منزلة من يعتقد انتفاء خلوّ الرسل مِن قبله، حيث يجدون أتباعهم ثابتين على مللهم حتّى الآن فكان حال المخاطبين حال من يتوهّم التلازم بين بقاء الملّة وبقاء رسولها، فيستدلّ بدوام الملّة على دوام رسولها، فإذا هلك رسول ملّة ظنّوا انتهاء شرعه وإبطال اتّباعه.

السابقالتالي
2 3