الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

لولا أنّ الكلام على يوم أحُد لم يكمل، إذ هو سيعاد عند قوله تعالى { قد خَلت من قبلِكُم سنن } إلى قولهيستبشرون بنعمة من الله... } آل عمران 171 الآية لقلنا إنّ قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا } اقتضاب تشريع، ولكنّه متعيّن لأنْ نعتبره استطراداً في خلال الحديث عن يوم أحُد، ثمّ لم يظهر وجه المناسبة في وقوعه في هذا الأثناء. قال ابن عطية ولا أحفظ سبباً في ذلك مروياً. وقال الفخر من النّاس من قال لمّا أرشد الله المؤمنين إلى الأصلح لهم في أمر الدين والجهاد أتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنَّهي فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربوا } فلا تعلّق لها بما قبلها. وقال القفّال لمّا أنفق المشركون على جيوشهم أموالاً جمعوها من الربا، خيف أن يدعُو ذلك المسلمين إلى الإقدام على الرّبا. وهذه مناسبة مستبعدة.وقال ابن عرفة لمّا ذكر الله وعيد الكفار عقّبه ببيان أن الوعيد لا يخصّهم بل يتناول العصاة، وذكر أحد صور العصيان وهي أكل الربا. وهو في ضعف ما قبله، وعندي بادىء ذي بدء أن لا حاجة إلى اطّراد المناسبة، فإن مدّة نزول السورة قابلة، لأن تحدث في خلالها حوادث ينزل فيها قرآن فيكون من جملة تلك السورة، كما بيّناه في المقدّمة الثَّامنة، فتكون هاته الآية نزلت عقب ما نزل قبلها فكتبت هنا ولا تكون بَينهما مناسبة إذ هو ملحق إلحاقاً بالكلام. ويتّجه أن يسأل سائل عن وجه إعادة النّهي عن الربا في هذه السورة بعد ما سبق من آيات سورة البقرة ـــ بما هو أوفى ممَّا في هذه السورة، فالجواب أنّ الظاهر أنّ هذه الآية نزلت قبل نزول آية ـــ سورة البقرة ـــ فكانت هذه تمهيداً لتلك، ولم يكن النّهي فيها بالغاً ما في ـــ سورة البقرة ـــ وقد روي أن آية البقرة نزلت بعد أن حَرّم الله الربا وأن ثقيفاً قالوا كيف ننهى عن الربا، وهومثل البيع، ويكون وصف الربا بـ { أضعافاً مضاعفة } نهياً عن الربا الفاحش وسَكت عمّا دون ذلك ممّا لا يبلغ مبلغ الأضعاف، ثمّ نزلت الآية الَّتي في ـــ سورة البقرة ـــ ويحتمل أن يكون بعض المسلمين داين بعضاً بالمراباة عقب غزوة أحُد فنزل تحريم الرّبا في مدّة نزول قصّة تلك الغزوة. وتقدّم الكلام على معنى أكل الرّبا، وعلى معنى الربا، ووجه تحريمه، ـــ في سورة البقرة ـــ. وقوله { أضعافاً مضاعفة } حال من { الرّبا } والأضعاف جمع ضعف ـــ بكسر الضّاد ـــ وهو معادل الشيء في المقدار إذا كان الشيء ومماثله متلازمين، لا تقول عندي ضعف درهمك، إذ ليس الأصل عندك، بل يحسن أن تقول عندي درهمان، وإنَّما تقول عندي درهم وضعفه، إذا كان أصل الدرهم عندك، وتقول لك درهم وضِعفه، إذا فعلت كذا.

السابقالتالي
2 3