الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } * { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }

يجوز أن تكون جملة { وما جعله الله إلا بشرىٰ } في موضع الحال من اسم الجلالة في قولهولقد نصركم الله ببدر } البقرة 123 والمعنى لقد نصركم الله ببدر حين تقول للمؤمنين مَا وعدك الله به في حال أنّ الله ما جعل ذلك الوعدَ إلاّ بشرى لكم وإلاّ فإنَّه وعَدَكم النصر كما في قوله تعالىوإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنَّها لكم } الأنفال 70 الآية. ويجوز أن يكون الواو للعطف عطفَ الإخبار على التذكير والامتنان. وإظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار للتنويه بهذه العناية من الله بهم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. وضمير النصب في قوله { جعله } عائد إلى الإمداد المستفاد مِنيمددكم } آل عمران 125 أو إلى الوعد المستفاد من قولهإن تصبروا وتتقوا } آل عمران 125 الآية. والاستثناء مفرّغ. و { بشرى } مفعول ثان لـ ـجعله أي ما جعل الله الإمداد والوعد به إلاّ أنَّه بشرى، أي جعله بشرى، ولم يجعله غير ذلك. و لكم متعلّق بـ بشرى. وفائدة التصريح به مع ظهور أن البشرى إليهم هي الدلالة على تكرمة الله تعالى إيّاهم بأنْ بَشَّرهم بشرى لأجلهم كما في التصريح بذلك في قوله تعالىألم نشرح لك صدرك } الشرح 1 والبشرى اسم لمصدر بَشَّر كالرُّجعى، والبشرى خبر بحصول ما فيه نفع ومسرّة للمخبر به، فإنّ الله لمَّا وعدهم بالنَّصر أيقنوا به فكان في تبيين سببه وهو الإمداد بالملائكة طَمْأنة لنفوسهم لأنّ النفوس تركن إلى الصّور المألوفة. والطمْأنة والطُّمأنِينة السكون وعدم الاضطراب، واستعيرت هنا ليقين النَّفس بحصول الأمر تشبيهاً للعلم الثابت بثبات النفس أي عدم اضطرابها، وتقدّمت عند قوله تعالىولكن ليطمئنّ قلبي } في سورة البقرة260. { وعُطف ولتطمئنّ } على { بُشرى } فكانَ داخلاً في حيّز الاستثناء فيكون استثناء مِن عللٍ، أي ما جعله الله لأجل شيء إلاّ لأجل أن تطمئن قلوبكم به. وجملة { وما النصر إلا من عند الله } تذييل أي كلّ نصر هو من الله لا من الملائكة. وإجراء وصفي العزيز الحكيم هنا لأنَّهما أولى بالذكر في هذا المقام، لأنّ العزيز ينصر من يريد نصره، والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يُعطاه. وقوله { ليقطع طرفاً } متعلّق بـ النَّصر باعتبار أنَّه علَّة لبعض أحوال النصر، أي ليقطع يوم بدر طرفاً من المشركين. والطَّرف ـــ بالتحريك ـــ يجوز أن يكون بمعنى النَّاحية، ويخصّ بالنَّاحية الَّتي هي منتهى المكان، قال أبو تمّام
كانت هي الوسَطَ المحميّ فاتّصلتْ بها الحَوادث حتَّى أصبحت طَرفا   
فيكون استعارة لطائفة من المشركين كقوله تعالىأو لم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } الرعد 41 ويجوز أن يكون بمعنى الجزء المتطرّف من الجسد كاليدين والرجلين والرأس فيكون مستعاراً هنا لأشراففِ المشركين، أي ليقطع من جسم الشرك أهم أعضائه، أي ليستأصل صناديد الَّذين كفروا.

السابقالتالي
2 3 4 5