الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ }

إذ قد كانت وقعة أحُد لم تنكشف عن نصر المسلمين، عَقَّب الله ذكرها بأن ذكَّرهم الله تعالى نَصره إيّاهم النصر الَّذي قدّره لهم يوم بدر، وهو نصر عظيم إذ كان نصرَ فئة قليلةٍ على جيش كثير، ذي عُدد وافرة، وكان قتلى المشركين يومئذ سادةَ قريش، وأيمّة الشرك، وحسبك بأبي جهل بن هشام، ولذلك قال تعالى { وأنتم أذلة } أي ضعفاء. والذلّ ضد العزّ فهو الوهن والضعف. وهذا تعريض بأنّ انهزام يوم أحُد لا يفلّ حدّة المسلمين لأنّهم صاروا أعزّة. والحرب سجال. وقوله { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } اعتراض بين جملة { ولقد نصركم الله ببدر } ومتعلّق فعلها أعني { إذ تقول للمؤمنين }. والفاء للتفريع والفاء تقع في الجملة المعترضة على الأصحّ، خلافاً لمن منع ذلك من النحويين.. فإنَّه لمّا ذكّرهم بتلك المنّة العظيمة ذكّرهم بأنَّها سبب للشكر فأمرهم بالشكر بملازمة التَّقوى تأدّباً بنسبة قوله تعالىلئن شكرتم لأزيدنكم } إبراهيم 70. ومن الشكر على ذلك النَّصر أن يثبتوا في قتال العدو، وامتثالُ أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم وأن لا تَفُلّ حدّتَهم هزيمة يوم أحُد. وظرف { إذ تقول للمؤمنين } زماني وهو متعلّق «بنصركم» لأنّ الوعد بنصرة الملائكة والمؤمنين كان يوم بدر لا يوم أحُد. هذا قول جمهور المفسّرين. وخصّ هذا الوقت بالذكر لأنَّه كان وقت ظهور هذه المعجزة، وهذه النِّعمة، فكان جديراً بالتذكير والامتنان. والمعنى إذ تعِد المؤمنين بإمداد الله بالملائكة، فما كان قول النَّبي صلى الله عليه وسلم لهم تلك المقالة إلاّ بوعد أوحاه الله إليه أن يقوله. والاستفهام في قوله { ألن يكفيكم } تقريري، والتقريري يكثر أن يورد على النَّفي، كما قدّمنا بيانه عند قوله تعالىألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } في سورة البقرة 243. وإنَّما جيء في النَّفي بحرف لَن الَّذي يفيد تأكيد النَّفي للإشعَار بأنّهم كانوا يوم بدر لقلّتهم، وضعفهم، مع كثرة عدوّهم، وشوكته، كالآيسين من كفاية هذا المدد من الملائكة، فأوقع الاستفهام التَّقريري على ذلك ليكون تلقيناً لِمن يخالج نفسَه اليأس من كفاية ذلك العدد من الملائكة، بأن يصرّح بما في نفسه، والمقصود من ذلك لازمهُ، وهذا إثبات أنّ ذلك العدد كاف. ولأجل كون الاستفهام غير حقيقي كان جوابه من قِبَل السائل بقوله { بلى } لأنّه ممَّا لا تسع المماراة فيه كما سيأتي في قوله تعالىقل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم } في سورة الأنعام19، فكان بلى إبطالاً للنفي، وإثباتاً لكون ذلك العدد كافياً، وهو من تمام مقالة النَّبي للمؤمنين. وقد جاء في سورة الأنفال 9 عند ذكره وقعة بدر أن الله وعدهم بمدد من الملائكة عدده ألف بقولهإذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنِّي ممدّكم بألف من الملائكة مردفين }

السابقالتالي
2 3 4