الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

عطف على جملةوإليه تقلبون } العنكبوت 21 باعتبار ما تضمنته من الوعيد. والمعجز حقيقته هو الذي يجعل غيره عاجزاً عن فعل ما، وهو هنا مجاز في الغلبة والانفلات من المكنة، وقد تقدم عند قوله تعالىإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين } في سورة الأنعام 134. فالمعنى وما أنتم بمُفْلَتين من العذاب. ومفعول معجزين محذوف للعلم به، أي بمعجزين الله. ويتعلق قوله { في الأرض } { بمعجزين } ، أي ليس لكم انفلات في الأرض، أي لا تجدون موئلاً ينجيكم من قدرتنا عليكم في مكان من الأرض سهلها وجبلها، وبدْوِها وحضرها. وعطف { ولا في السماء } على { في الأرض } احتراس وتأييس من الطمع في النجاة وإن كانوا لا مطمع لهم في الالتحاق بالسماء. وهذا كقول الأعشى
فلو كنتَ في جبّ ثمانين قامة ورُقِّيت أسبابَ السماء بسلّم   
ومنه قوله تعالىلا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } سبأ 22، ولم تقع مثل هذه الزيادة في آية سورة الشورى 30، 31ويعفوا عن كثير وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } لأن تلك الآية جمعت خطاباً للمسلمين والمشركين بقولهوما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير } الشورى 30 إذ العفو عن المسلمين. وما هنا من المبالغة المفروضة وهي من المبالغة المقبولة كما في قول أبي بن سُلْمي الضبي
ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر   
وهي أظهر في قوله تعالىيا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا } الرحمن 33. وفي هذه إشارة إلى إبطال اغترارهم بتأخير الوعيد الذي تُوعدوه في الدنيا. ولما آيسهم من الانفلات بأنفسهم في جميع الأمكنة أعقبه بتأييسهم من الانفلات من الوعيد بسعي غيرهم لهم من أولياء يتوسطون في دفع العذاب عنهم بنحو السعاية أو الشفاعة، أو من نصراء يدافعون عنهم بالمغالبة والقوة.