الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِى القُوَّةِ } كان من صنوف أذى أيمة الكفر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ومن دواعي تصلبهم في إعراضهم عن دعوته اعتزازهم بأموالهم وقالوالولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } الزخرف 31 أي على رجل من أهل الثروة فهي عندهم سبب العظمة ونبزهم المسلمين بأنهم ضعفاء القوم، وقد تكرر في القرآن توبيخهم على ذلك كقولهوقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً } سبأ 35 وقولهوذرني والمكذبين أولي النعمة } المزمل 11 الآية. روى الواحدي عن ابن مسعود وغيره بأسانيد إن الملأ من قريش وسادتهم منهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والمطعم بن عدي والحارث بن نوفل. قالوا «أيريد محمد أن نكون تبعاً لهؤلاء يعنون خباباً، وبلالاً، وعماراً، وصهيباً فلو طرد محمد عنه موالينا وعبيدنا كان أعظم له في صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأنزل الله تعالىولا تطرد الذين يدعون ربهم } إلى قولهبالشاكرين } الأنعام 52 - 53. وكان فيما تقدم من الآيات قريباً قوله تعالىوما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها } إلى قولهمن المحضرين } القصص 60 - 61 كما تقدم. وقد ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة فضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلاً بحال قارون مع موسى وأن مثل قارون صالح لأن يكون مثلاً لأبي لهب ولأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه في قرابتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وأذاهما إياه، وللعاصي بن وائل السهمي في أذاه لخباب بن الأرتّ وغيره، وللوليد بن المغيرة من التعاظم بماله وذويه. قال تعالىذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالا ممدوداً } المدثر 11 - 12 فإن المراد به الوليد بن المغيرة. فقوله { إن قارون كان من قوم موسى } اسئناف ابتدائي لذكر قصة ضربت مثلاً لحال بعض كفار مكة وهم سادتهم مثل الوليد بن المغيرة وأبي جهل بن هشام ولها مزيد تعلق بجملةوما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها } القصص 60 إلى قولهثم هو يوم القيامة من المحضرين } القصص 61. ولهذه القصة اتصال بانتهاء قصة جند فرعون المنتهية عند قوله تعالىوما كنت بجانب الطور إذ نادينا } القصص 46 الآية. و { قارون } اسم معرب أصله في العبرانية قورح بضم القاف مشبعة وفتح الراء، وقع في تعريبه تغيير بعض حروفه للتخفيف، وأجري وزنه على متعارف الأوزان العربية مثل طالوت، وجالوت، فليست حروفه حروف اشتقاق من مادة قرن. و قورح هذا ابن عم موسى عليه السلام دنيا، فهو قورح بن يصهار بن قهات بن لاوى بن يعقوب.

السابقالتالي
2 3 4 5