الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ }

أحسب أن موقع فاء التفريع هنا أن مما أومأ إليه قولهوما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا } القصص 60 ما كان المشركون يتبجحون به على المسلمين من وفرة الأموال ونعيم الترف في حين كان معظم المسلمين فقراء ضعفاء قال تعالىوإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين } المطففين 31 أي منعمين، وقالوذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً } المزمل 11 فيظهر من آيات القرآن أن المشركين كان من دأبهم التفاخر بما هم فيه من النعمة قال تعالىواتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين } هود 116 وقالوارجعوا إلى ما أترفتم فيه } الأنبياء 13 فلما أنبأهم الله بأن ما هم فيه من الترف إن هو إلا متاع قليل، قابل ذلك بالنعيم الفائق الخالد الذي أعد للمؤمنين، وهي تفيد مع ذلك تحقيق معنى الجملة التي قبلها لأن الثانية زادت الأولى بياناً بأن ما أوتوه زائل زوالاً معوضاً بضد المتاع والزينة وذلك قوله { ثم هو يوم القيامة من المحضرين }. فما صدق { من } الأولى هم الذين وعدهم الله الوعد الحسن وهم المؤمنون، وما صدق { من } الثانية جمع هم الكافرون. والاستفهام مستعمل في إنكار المشابهة والمماثلة التي أفادها كاف التشبيه فالمعنى أن الفريقين ليسوا سواء إذ لا يستوي أهل نعيم عاجل زائل وأهل نعيم آجل خالد. وجملة { فهو لاقيه } معترضة لبيان أنه وعد محقق، والفاء للتسبب. وجملة { ثم هو } الخ عطف على جملة { متعناه متاع الحياة الدنيا } فهي من تمام صلة الموصول. و { ثم } للتراخي الرتبي لبيان أن رتبة مضمونها في الخسارة أعظم من مضمون التي قبلها، أي لم تقتصر خسارتهم على حرمانهم من نعيم الآخرة بل تجاوزت إلى التعويض بالعذاب الأليم. ومعنى { من المحضرين } أنه من المحضرين للجزاء على ما دل عليه التوبيخ فيأفلا تعقلون } القصص 60. والمقابلة في قوله { أفمن وعدناه وعداً حسناً } المقتضية أن الفريق المعين موعودون بضد الحسن، فحذف متعلق { المحضرين } اختصاراً كما حذف في قولهولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين } الصافات 57 وقولهفكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين } الصافات 127 - 128.