الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ }

استجاب الله له دعوتيه وزاده تفضلاً بما لم يسأله فاستجابة الدعوة الثانية بقوله { سنشد عضدك بأخيك } ، واستجابة الأولى بقوله { فلا يصلون إليكما } ، والتفضل بقوله { ونجعل لكما سلطاناً } ، فأعطى موسى ما يماثل ما لهارون من المقدرة على إقامة الحجة إذ قال { ونجعل لكما سلطاناً }. وقد دل على ذلك ما تكلم به موسى عليه السلام من حجج في مجادلة فرعون كما في سورة الشعراء، وهنا وما خاطب به بني إسرائيل مما حكي في سورة الأعراف. ولم يحك في القرآن أن هارون تكلم بدعوة فرعون على أن موسى سأل الله تعالى أن يحلل عقدة من لسانه كما في سورة طه، ولا شك أن الله استجاب له. والشد الربط، وشأن العامل بعضو إذا أراد أن يعمل به عملاً متعباً للعضو أن يربط عليه لئلا يتفكك أو يعتريه كسر، وفي ضد ذلك قال تعالىولما سقط في أيديهم } الأعراف 149 وقولهم فُتَّ في عضده، وجعل الأخ هنا بمنزلة الرباط الذي يشد به. والمراد أنه يؤيده بفصاحته، فتعليقه بالشد ملحق بباب المجاز العقلي. وهذا كله تمثيل لحال إيضاح حجته بحال تقوية من يريد عملاً عظيماً أن يشد على يده وهو التأييد الذي شاع في معنى الإعانة والإمداد، وإلا فالتأييد أيضاً مشتق من اليد. فأصل معنى أيد جعل يداً، فهو استعارة لإيجاد الإعانة. والسلطان هنا مصدر بمعنى التسلط على القلوب والنفوس، أي مهابة في قلوب الأعداء ورعباً منكما كما ألقى على موسى محبة حين التقطه آل فرعون. وتقدم معنى السلطان حقيقة في قوله تعالىفقد جعلنا لوليه سلطاناً } في سورة الإسراء.33 وفرع على جعل السلطان { فلا يصلون إليكما } أي لا يؤذونكما بسوء وهو القتل ونحوه. فالوصول مستعمل مجازاً في الإصابة. والمراد الإصابة بسوء، بقرينة المقام. وقوله { بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } يجوز أن يكون { بآياتنا } متعلقاً بمحذوف دل عليه قولهإلى فرعون وملئه } القصص 32 تقديره اذهبا بآياتنا على نحو ما قدّر في قوله تعالىفي تسع آيات إلى فرعون } النمل 12 وقوله في سورة النمل بعد قولهوأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات } النمل 12 أي اذهبا في تسع آيات. وقد صرح بذلك في قوله في سورة الشعراء 15قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون } ويجوز أن يتعلق بــــ { نجعل لكما سلطاناً } ، أي سلطاناً عليهم بآياتنا حتى تكون رهبتهم منكما آية من آياتنا، ويجوز أن يتعلق بــــ { لا يصلون إليكما } أي يصرفون عن أذاكم بآيات منا كقول النبي صلى الله عليه وسلم " نُصِرتُ بالرعب " ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله { الغالبون } أي تغلبونهم وتقهرونهم بآياتنا التي نؤيدكما بها.

السابقالتالي
2