{ فَلَمَّآ أَتَـٰهَا نُودِىَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِى ٱلأَيْمَنِ فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّىۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ * ٱسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ }. تقدم مثل هذا في سورة النمل إلا مخالفة ألفاظ مثل { أتاها } هنا و { جاءها } هناك النمل 8 و { إني أنا الله } هنا، و{ إنه أنا الله } هناك النمل 9 بضمير عائد إلى الجلالة هنالك، وضمير الشأن هنا وهما متساويان في الموقع لأن ضمير الجلالة شأنه عظيم. وقوله هنا { رب العالمين } وقوله هنالك{ العزيز الحكيم } النمل 9. وهذا يقتضي أن الأوصاف الثلاثة قيلت له حينئذ. والقول في نكتة تقديم صفة الله تعالى قبل إصدار أمره له بإلقاء العصا كالقول الذي تقدم في سورة النمل لأن وصف { رب العالمين } يدل على أن جميع الخلائق مسخرة له ليثبت بذلك قلب موسى من هول تلقي الرسالة. و { أن ألق } هنا و{ ألق عصاك } النمل 10، و { اسلك } هنا{ وأدخل } هناك النمل 12. وتلك المخالفة تفنن في تكرير القصة لتجدد نشاط السامع لها، وإلا زيادة { من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة } وهذا واد في سفح الطور. وشاطئه جانبه وضفته. ووصف الشاطىء بالأيمن إن حمل الأيمن على أنه ضد الأيسر فهو أيمن باعتبار أنه واقع على يمين المستقبل القبلة على طريقة العرب من جعل القبلة هي الجهة الأصلية لضبط الواقع وهم ينعتون الجهات باليمين واليسار يريدون هذا المعنى قال امرؤ القيس
على قطن بالشيم أيمن صوبه وأيسره على الستار فيذبل
وعلى ذلك جرى اصطلاح المسلمين في تحديد المواقع الجغرافية ومواقع الأرضين، فيكون الأيمن يعني الغربي للجبل، أي جهة مغرب الشمس من الطور. ألا ترى أنهم سموا اليمن يمناً لأنه على يمين المستقبل باب الكعبة وسموا الشام شاماً لأنه على شآم المستقبل لبابها، أي على شماله، فاعتبروا استقبال الكعبة، وهذا هو الملائم لقوله الآتي{ وما كنت بجانب الغربي } القصص 44. وأما جعله بمعنى الأيمن لموسى فلا يستقيم مع قوله تعالى{ وواعدناكم جانب الطور الأيمن } طه 80 فإنه لم يجر ذكر لموسى هناك. وإن حمل على أنه تفضيل من اليُمن وهو البركة فهو كوصفه بــــ { المقدس } في سورة النازعات 16{ إذ ناداه ربه بالوادِي المقدس طُوى } و { البقعة } بضم الباء ويجوز فتحها هي القطعة من الأرض المتميزة عن غيرها. و { المباركة } لما فيها من اختيارها لنزول الوحي على موسى. وقوله { من الشجرة } يجوز أن يتعلق بفعل { نُودِي } فتكون الشجرة مصدر هذا النداء وتكون { من } للابتداء، أي سمع كلاماً خارجاً من الشجرة.