الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

الإشارة في قولهتلك ءايات الكتاب المبين } على نحو الإشارة في نظيره في سورة الشعراء. فالمشار إليه ما هو مقروء يوم نزول هذه الآية من القرآن تنويهاً بشأن القرآن وأنه شأن عظيم. وجملة { نتلو عليك من نبأ موسى } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً. ومهد لنبأ موسى وفرعون بقوله { نتلو عليك } للتشويق لهذا النبأ لما فيه من شتى العبر بعظيم تصرف الله في خلقه. والتلاوة القراءة لكلام مكتوب أو محفوظ كما قال تعالىوأن أتلو القرآن } النمل 92، وهو يتعدى إلى من تبلغ إليه التلاوة بحرف على وتقدمت عند قولهواتبعوا ما تتلو الشياطين } في البقرة 102، وقولهوإذا تليت عليهم ءاياته } في سورة الأنفال 2. وإسناد التلاوة إلى الله إسناد مجازي لأنه الذي يأمر بتلاوة ما يوحى إليه من الكلام والذي يتلو حقيقة هو جبريل بأمر من الله، وهذا كقوله تعالىتلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق } في سورة البقرة 252. وجلعت التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الذي يتلقى ذلك المتلو. وعبر عن هذا الخبر بالنبإ لإفادة أنه خبر ذو شأن وأهمية. واللام في { لقوم يؤمنون } لام التعليل، أي نتلو عليك لأجل قوم يؤمنون فكانت الغاية من تلاوة النبأ على النبي صلى الله عليه وسلم هي أن ينتفع بذلك قوم يؤمنون فالنبي يبلغ ذلك للمؤمنين فإن كان فريق من المؤمنين سألوا أو تشوّفوا إلى تفصيل ما جاء من قصة موسى وفرعون في سورة الشعراء وسورة النمل وهو الظاهر، فتخصيصهم بالتعليل واضح وانتفاع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك معهم أجدر وأقوى، فلذلك لم يتعرض له بالذكر اجتزاء بدلالة الفحوى لأن المقام لإفادة من سأل وغيرهم غير ملتفت إليه في هذا المقام. وإن لم يكن نزول هذه القصة عن تشوف من المسلمين فتخصيص المؤمنين بالتلاوة لأجلهم تنويه بأنهم الذين ينتفعون بالعِبَر والمواعظ لأنهم بإيمانهم أصبحوا متطلّبين للعلم والحكمة متشوفين لأمثال هذه القصص النافعة ليزدادوا بذلك يقيناً. وحصول ازدياد العلم للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك معلوم من كونه هو المتلقي والمبلغ ليتذكر من ذلك ما علمه من قبل ويزداد علماً بما عسى أن لا يكون قد علمه، وفي ذلك تثبيت فؤاده كما قال تعالىوكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود 120. فالمراد بقوم يؤمنون قوم الإيمان شأنهم وسجيتهم. وللإشارة إلى معنى تمكن الإيمان من نفوسهم أجري وصف الإيمان على كلمة قوم ليفيد أن كونهم مؤمنين هو من مقومات قوميتهم كما قدمناه غير مرة. فالمراد المتلبسون بالإيمان. وجيء بصيغة المضارع للدلالة على أن إيمانهم موجود في الحال ومستمر متجدد. وفي هذا إعراض عن العبء بالمشركين في سوق هذه القصة بما يقصد فيها من العبرة والموعظة فإنهم لم ينتفعوا بذلك وإنما انتفع بها من آمن ومن سيؤمن بعد سماعها.

السابقالتالي
2