الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ }

أتت هذه السورة على كثير من مطاعن المشركين في القرآن وفيما جاء به من أصول الإسلام من التوحيد والبعث والوعيد بأفانين من التصريح والتضمن والتعريض بأحوال المكذبين السالفين مفصلاً ذلك تفصيلاً ابتداء من قولهتلك ءايات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين } النمل 1، 2 إلى هنا، فلما كان في خلال ذلك إلحافهم على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بما وعدهم أو أن يعين لهم أجل ذلك ويقولونمتى هذا الوعد إن كنتم صادقين } النمل 71. وأتت على دحض مطاعنهم وتعللاتهم وتوركهم بمختلف الأدلة قياساً وتمثيلاً، وثبت الله رسوله بضروب من التثبيت ابتداء من قولهإذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً } النمل 7 وقولهفتوكل على الله إنك على الحق المبين } النمل 79، وما صاحب ذلك من ذكر ما لقيه الرسل السابقون. بعد ذلك كله استؤنف الكلام استئنافاً يكون فذلكة الحساب، وختاماً للسورة وفصل الخطاب، أفسد به على المشركين ازدهاءهم بما يحسبون أنهم أفحموا الرسول صلى الله عليه وسلم بما ألقوه عليه ويطير غراب غرورهم بما نظموه من سفسطة، وجاءوا به من خلبطة، ويزيد الرسول تثبيتاً وتطميناً بأنه أرضى ربه بأداء أمانة التبليغ وذلك بأن أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها } فهذا تلقين للرسول صلى الله عليه وسلم والجملة مقول قول محذوف دل عليه ما عطف عليه في هذه الآية مرتين وهوفقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله } النمل 92، 93 فإن الأول مفرّع عليه فهو متصل به. والثاني معطوف على أول الكلام. وافتتاح الكلام بأداة الحصر لإفادة حصر إضافي باعتبار ما تضمنته محاوراتهم السابقة من طلب تعجيب الوعيد، وما تطاولوا به من إنكار الحشر. والمعنى ما أمرت بشيء مما تبتغون من تعيين أجل الوعيد ولا من اقتلاع إحالة البعث من نفوسكم ولا بما سوى ذلك إلا بأن أثبت على عبادة رب واحد وأن أكون مسلماً وأن أتلو القرآن عليكم، ففيه البراهين الساطعة والدلالات القاطعة فمن اهتدى فلا يمن علي اهتداءه وإنما نفع به نفسه ومن ضل فما أنا بقادر على اهتدائه، ولكني منذره كما أنذرت الرسل أقوامها فلم يملكوا لهم هدياً حتى أهلك الله الضالين. وهذا في معنى قوله تعالىفإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن } آل عمران 20. وقد أدمج في خلال هذا تنويهاً بشأن مكة وتعريضاً بهم بكفرهم بالذي أسكنهم بها وحرمها فانتفعوا بتحريمها، وأشعرهم بأنهم لا يملكون تلك البلدة فكاشفهم الله بما تكنه صدورهم من خواطر إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من مكة وذلك من جملة ما اقتضاه قوله

السابقالتالي
2 3