الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } * { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ * وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ }. هذه الجملة بيان ناشىء عن قولهففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } النمل 87 لأن الفزع مقتضٍ الحشر والحضور للحساب. ومن في كلتا الجملتين شرطية. والمجيء مستعمل في حقيقته. والباء في { بالحسنة } و { بالسيئة } للمصاحبة المجازية، ومعناها أنه ذو الحسنة أو ذو السيئة. وليس هذا كقولهمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } في آخر الأنعام 160. فالمعنى هنا من يجيء يومئذ وهو من فاعلي الحسنة ومن جاء وهو من أهل السيئة، فالمجيء ناظر إلى قولهوكل أتوه داخرين } النمل 87 والحسنة والسيئة هنا للجنس وهو يحمل على أكمل أفراده في المقام الخطابي، أي من تمحضت حالته للحسنات أو كانت غالب أحواله كما يقتضيه قوله { وهم من فزع يومئذ ءامنون } ، وكذلك الذي كانت حالته متمحضة للسيئات أو غالبة عليه، كما اقتضاه قوله { فكبت وجوههم في النار }. و { خير منها } اسم تفضيل اتصلت به من التفضيلية، أي فله جزاء خير من حسنة واحدة لقوله تعالى في الآية الأخرىفله عشر أمثالها } الأنعام 160 أو خير منها شرفاً لأن الحسنة من فعل العبد والجزاء عليها من عطاء الله. وقوله { وهم من فزع يومئذ ءامنون } تبيين قوله آنفاًإلا من شاء الله } النمل 87. وهؤلاء هم الذين كانوا أهل الحسنات، أي تمحضوا لها أو غلبت على سيئاتهم غلبة عظيمة بحيث كانت سيئاتهم من النوع المغفور بالحسنات أو المدحوض بالتوبة ورد المظالم. وكذلك قوله { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } ، أي غلبت سيئاتهم وغطت على حسناتهم أو تمحضوا للسيئات بأن كانوا غير مؤمنين أو كانوا من المؤمنين أهل الجرائم والشقاء. وبين أهل هاتين الحالتين أصناف كثيرة في درجات الثواب ودركات العقاب. وجماع أمرها أن الحسنة لها أثرها يومئذ عاجلاً أو بالآخارة، وأن السيئة لها أثرها السيء بمقدارها ومقدار ما معها من أمثالها وما يكافئها من الحسنات أضدادهافلا تظلم نفس شيئاً } الأنبياء 47. وقرأ الجمهور { من فزع يومئذ } بإضافة { فزع } إلى يوم من { يومئذ } وإضافة يوم إلى { إذ } ففتحة يوم فتحة بناء، لأنه اسم زمان أضيف إلى اسم غير متمكن فــــ { فزع } معرف بالإضافة إلى يوم ويوم معرف بالإضافة إلى إذ وإذ مضافة إلى جملتها المعوض عنها تنوين العوض. والتقدير من فزع يوم إذ يأتون ربهم. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتنوين { فزع } ، و { يومئذ } منصوباً على المفعول فيه فيه متعلقاً بــــ { آمنون }. والمعنى واحد على القراءتين إذ المراد الفزع المذكور في قولهففزع من في السماوات ومن في الأرض }

السابقالتالي
2