الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }

عطف علىويوم نحشر من كل أمة فوجاً } النمل 83، عاد به السياق إلى الموعظة والوعيد فإنهم لما ذكروا بــــ«يوم يحشرون إلى النار» ذكروا أيضاً بما قبل ذلك وهو يوم النفخ في الصور، تسجيلاً عليهم بإثبات وقوع البعث وإنذاراً بما يعقبه مما دل عليه قوله { ءاتوه داخرين } وقوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله }. والنفخ في الصور تقدم في قولهوله الملك يوم ينفخ في الصور } في سورة الأنعام 73 وهو تقريب لكيفية صدور الأمر التكويني لإحياء الأموات وهو النفخة الثانية المذكورة في قوله تعالىثم نُفِخَ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } الزمر 68، وذلك هو يوم الحساب. وأما النفخة الأولى فهي نفخة يعنى بها الإحياء، أي نفخ الأرواح في أجسامها وهي ساعة انقضاء الحياة الدنيا فهم يصعقون، ولهذا فرع عليه قوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض } ، أي عقبه حصول الفزع وهو الخوف من عاقبة الحساب ومشاهدة معدات العذاب، فكل أحد يخشى أن يكون معذباً، فالفزع حاصل مما بعد النفخة وليس هو فزعاً من النفخة لأن الناس حين النفخة أموات. والاستثناء مجمل يبينه قوله تعالى بعدمن جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون } النمل 89 وقولهإن الذين سبقت لهم منا الحسنى } الأنبياء 101 إلى قولهلا يحزنهم الفزع الأكبر } الأنبياء 103 وذلك بأن يبادرهم الملائكة بالبشارة. قال تعالىوتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } الأنبياء 103 وقاللهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } يونس 64. وجيء بصيغة الماضي في قوله { ففزع } مع أن النفخ مستقبل، للإشعار بتحقق الفزع وأنه واقع لا محالة كقولهأتى أمر الله } النحل 1 لأن المضي يستلزم التحقق فصيغة الماضي كناية عن التحقق، وقرينة الاستقبال ظاهرة من المضارع في قوله { ينفخ }. والداخرون الصاغرون. أي الأذلاء، يقال دَخِرَ بوزن منع وفرِح والمصدر الدخر بالتحريك والدخور. وضمير الغيبة الظاهر في { ءاتوه } عائد إلى اسم الجلالة، والإتيان إلى الله الإحضار في مكان قضائه ويجوز أن يعود الضمير على { يوم ينفخ في الصور } على تقدير ءاتون فيه والمضاف إليه كل المعوض عنه التنوين، تقديره من فزع ممن في السموات والأرض آتوه داخرين. وأما من استثنى الله بأنه شاء أن لا يفزعوا فهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة. وقرأ الجمهور { آتوه } بصيغة اسم الفاعل من أتى. وقرأ حمزة وحفص { أتوه } بصيغة فعل الماضي فهو كقوله { ففزع }.