الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ } * { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

أعقب وصف عماية الزاعمين علم الغيب بذكر شبهتهم التي أرتهم البعث مستحيل الوقوع، ولذلك أسند القول هنا إلى جميع الذين كفروا دون خصوص الذين يزعمون علم الغيب، ولذلك عطفت الجملة لأنها غايرت التي قبلها بأنها أعم. والتعبير عنهم باسم الموصول لما في الموصول من الإيماء إلى علة قولهم هذه المقالة وهي ما أفادته الصلة من كونهم كافرين فكأنه قيل وقالوا بكفرهم أإذا كنا تراباً.. إلى آخره استفهاماً بمعنى الإنكار. أتوا بالإنكار في صورة الاستفهام لتجهيل معتقد ذلك وتعجيزه عن الجواب بزعمهم. والتأكيد بـــ { إنّ } لمجاراة كلام المردود عليه بالإنكار. والتأكيد تهكم. وقرأ نافع وأبو جعفر { إذا كنا تراباً } بهمزة واحدة هي همزة إذا على تقدير همزة استفهام محذوفة للتخفيف من اجتماع همزتين، أو بجعل إذا ظرفاً مقدّماً على عامله والمستفهم عنه هو { إنا لمخرجون }. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة بهمزتين في { أإذا وأإنا } على اعتبار تكرير همزة الاستفهام في الثانية لتأكيد الأولى، إلا أن أبا عمرو خفف الثانية من الهمزتين في الموضعين وعاصماً وحمزة حققاهما. وهؤلاء كلهم حذفوا نون المتكلم المشارك تخفيفاً من الثقل الناشىء من وقوع نون المتلكم بعد نون إن. وقرأ ابن عامر والكسائي { أإذا } بهمزتين و { إننا } بهمزة واحدة وبنونين اكتفاء بالهمزة الأولى للاستفهام، وكلها استعمال فصيح. وقد تقدم في سورة المؤمنين حكاية مثل هذه المقالة عن الذين كفروا إلا أن اسم الإشارة الأول وقع مؤخراً عننحن } في سورة المؤمنين 83 ووقع مقدماً عليه هنا، وتقديمه وتأخيره سواء في أصل المعنى لأنه مفعول ثانٍ لــــ { وعدنا } وقع بعد نائب الفاعل في الآيتين. وإنما يتجه أن يُسأل عن تقديمه على توكيد الضمير الواقع نائباً على الفاعل. وقد ناطها في «الكشاف» بأن التقديم دليل على أن المقدم هو الغرض المعتمد بالذكر وبسوق الكلام لأجله. وبينه السكاكي في «المفتاح» بأن ما وقع في سورة المؤمنين كان بوضع المنصوب بعد المرفوع وذلك موضعه. وأما ما في سورة النمل فقدم المنصوب على المرفوع لكونه فيها أهم، يدلك على ذلك أن الذي قبله { إذا كنا تراباً وءاباؤنا } والذي قبل آية سورة المؤمنينأإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً } المؤمنون 82 فالجهة المنظور فيها هناك في سورة المؤمنين هي كون أنفسهم تراباً وعظاماً، والجهة المنظور فيها هنا في سورة النمل هي كون أنفسهم وكون آبائهم تراباً لا جزء هناك من بناهم جمع بنية على ــــ أي باقياً ــــ صورة نفسه أي على صورته التي كان عليها وهو حي. ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تبعيد البعث فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد إلى ذكره فصيره هذا العارض أهم اهــــ. وحاصل الكلام أن كل آية حكت أسلوباً من مقالهمبل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أإذا متنا } المؤمنون 81، 82 { لقد وُعدنا هذا نحن وءاباؤنا }. وبعد فقد حصل في الاختلاف بين أسلوب الآيتين تفنن كما تقدم في المقدمة السابعة. والأساطير جمع أسطورة، وهي القصة والحكاية. وتقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالىوإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } في سورة النحل 24. والمعنى ما هذا إلا كلام معاد قاله الأولون وسطّروه وتلقفه من جاء بعدهم ولم يقع شيء منه.