الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ حتّى } ابتدائية، ومعنى الغاية لا يفارقها، ولكنها مع الابتدائية غاية غيرُ نهاية. و { إذا } ظرف زمان بمعنى حين، وهو يقتضي فعلين بعدهُ يشبهان فعلي الشرط وجوابِه لأن { إذا } مضمَّنة معنى الشرط، و { إذا } معمول لفعل جوابه، وأما فعل شرطه فهو جملة مضاف إليها { إذا }. والتقدير حتى قالت نملة حينَ أتوا على واد النمل. وواد النمل يجوز أن يكون مراداً به الجنس لأن للنمل شقوقاً ومسالك هي بالنسبة إليها كالأودية للساكنين من الناس، ويجوز أن يراد به مكان مشتهر بالنمل غلب عليه هذا المضاف كما سمي وادي السباع موضع معلوم بين البصرة ومكة. قيل واد النمل في جهة الطائف، وقيل غير ذلك، وكله غير ظاهر من سياق الآية. و { النمل } اسم جنس لحشرات صغيرة ذات ست أرجل تسكن في شقوق من الأرض. وهي أصناف متفاوتة في الحجم، والواحد منه نملة بتاء الوحدة، فكلمة نملة لا تدل إلا على فرد واحد من هذا النوع دون دلالة على تذكير ولا تأنيث فقوله { نملة } مفاده قال واحدٌ من هذا النوع. واقتران فعله بتاء التأنيث جرى على مراعاة صورة لفظه لشبه هائه بهاء التأنيث وإنما هي علامة الوحدة، والعرب لا يقولون مشَى شاة، إذا كان الماشي فحلاً من الغنم، وإنما يقولون مَشت شاة، وطارت حمامة، فلو كان ذلك الفرد ذكراً وكان مما يفرق بين ذكره وأنثاه في أغراض الناس وأرادوا بيان كونه ذكراً قالوا طارت حمامة ذكر، ولا يقولون طار حمامة، لأن ذلك لا يفيد التفرقة. ألا ترى أنه لا يصلح أن يكون علامة على كون الفاعل أنثى، ألا ترى إلى قول النابغة
مَاذَا رُزئنا به من حَيَّة ذَكَر نَضناضة بالرزايا صِلِّ أصلال   
فجاء باسم حية وهو اسم للجنس مقترن بهاء التأنيث، ثم وصفه بوصف ذكر ثم أجرى عليه التأنيث في قوله نضناضة، لأنه صفة لــــحية. وفي حديث ابن عباس عن صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقبلتُ راكباً على حمار أتان» فوصف حمارٍ الذي هو اسم جنس باسم خاص بأنثاه. ولذلك فاقتران فعل { قالت } هنا بعلامَة التأنيث لمراعاة اللفظ فقط، على أنه لا يتعلق غرض بالتمييز بين أنثى النمل وذكره بلْه أن يتعلق به غرض القرآن لأن القصد وقوع هذا الحادث وبيان علم سليمان لا فيما دون ذلك من السفاسف. وذكر في «الكشاف» أن قتادة دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة حاضراً وهو غلام حَدَث، فقال لهم أبو حنيفة سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أنثى؟ فسألوه، فأفْحِم. فقال أبو حنيفة كانت أنثى. فقيل له من أين عرفت؟ قال من كتاب الله وهو قوله تعالى { قالت نملة } ولو كانت ذكراً لقال قال نملة.

السابقالتالي
2 3