الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ }

إن جريت على ما فسّر به المفسرون قولَهفأرسل فرعون في المدائن حاشرين } الشعراء 53 لزمك أن تجعل الفاء في قوله { فأخرجناهم } لتفريع الخروج على إرسال الحاشرين، أي ابتدأ بإرسال الحاشرين وأعقب ذلك بخروجه، فالتعقيب الذي دلت عليه الفاء بحسب ما يناسب المدة التي بين إرسال الحاشرين وبين وصول الأنباء من أطراف المملكة بتعيين طريق بني إسرائيل إذ لا يخرج فرعون بجنده على وجهه، غير عالم بطريقهم. وضمير النصب عائد إلى فرعون ومن معه مفهوماً من قولهإنكم متَّبَعون } الشعراء 52. وإنْ جريت على ما فسرنا به قوله تعالىفأرسل فرعون } الشعراء 53 ولا إخالك إلا منشرح الصدر لاختيار ذلك، فلْتَجعَلْ الفاءَ في { فأخرجناهم } تفريعاً على جملةإنكم متَّبَعون } الشعراء 52. والتقدير فأسرى موسى ببني إسرائيل فأخرجنا فرعون وجنده من بلادهم في طلب بني إسرائيل فاتَّبعوا بني إسرائيل. وضمير { أخرجناهم } على كل تقدير عائد إلى ما يفهم من المقام، أي أخرجنا فرعون وجنده. والجنات جنات النخيل التي كانت على ضفاف النيل. والعيون منابع تحفر على خِلجان النيل. والكنوز الأموال المدخرة. والمقام أصله محل القيام أو مصدر قَام. والمعنى على الأول مساكن كريمة، وعلى الثاني قيامهم في مجتمعهم، والكريم النفيس في نوعه. وذلك ما كانوا عليه من الأمن والثروة والرفاهية، كل ذلك تركه فرعون وجنوده الذين خرجوا منه لمطاردة بني إسرائيل لأنهم هلكوا فلم يرجعوا إلى شيء مما تركوا. { كذلك } تقدم الكلام على نظيره عند قوله تعالىكذلك وقد أحطنا بما لديه خُبْراً } في سورة الكهف 91. فهو بمنزلة الاعتراض. وجملة { وأورثناها بني إسرائيل } معترضة أيضاً والواو اعتراضية وليست عطفاً لأجزاء القصة لما ستعلمه. والإيراث جعل أحد وارثاً. وأصله إعطاء مال الميت ويطلق على إعطاء ما كان ملكاً لغير المعطَى بفتح الطاء كما قال تعالىوأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارقَ الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } الأعراف 137، أي أورثنا بني إسرائيل أرض الشام، وقالثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } فاطر 32. والمعنى أن الله أرزأ أعداء موسى ما كان لهم من نعيم إذ أهلكهم وأعطى بني إسرائيل خيرات مثلها لم تكن لهم، وليس المراد أنه أعطى بني إسرائيل ما كان بيد فرعون وقومه من الجنات والعيون والكنوز، لأن بني إسرائيل فارقوا أرض مصر حينئذ وما رجعوا إليها كما يدل عليه قوله في سورة الدخان 28كذلك وأورثناها قوماً آخرين } ولا صحة لما يقوله بعض أهل قصص القرآن من أن بني إسرائيل رجعوا فملكوا مصر بعد ذلك، فإن بني إسرائيل لم يملكوا مصر بعد خروجهم منها سائر الدَّهر فلا محيص من صرف الآية عن ظاهرها إلى تأويل يدل عليه التاريخ ويدل عليه ما في سورة الدخان.

السابقالتالي
2