الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } * { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ }

دلت الفاء على أنّ جمع السحرة وقع في أسرع وقت عقب بعث الحاشرين حرصاً من الحَاشرين والمحشورين على تنفيذ أمر فرعون. وبني «جُمع ــــ وقيل» للنائب لعدم تعين جامعِين وقائلين، أي جَمَعَ من يجمع، وقال القائلون. واللام في { لميقات } بمعنى عند كاللام في قوله تعالىأقم الصلاة لدلوك الشمس } الإسراء 78. واليوم هو يوم الزينة وهو يوم وفاء النيل. والوقت هو الضحى كما في سورة طه. والميقات الوقت، وأصله اسم آلة التوقيت. سمي به الوقت المعين تشبيهاً له بالآلة. والتعريف في { للناس } للاستغراق العرفي، وهم ناس بلدة فرعون منفيس أو طيبة. و { هل أنتم مجتمعون } استحثاث للناس على الاجتماع، فالاستفهام مستعمل في طلب الإسراع بالاجتماع بحيث نزلوا منزلة من يسأل سؤال تحقيق عن عزمه على الاجتماع كقوله تعالىفهل أنتم منتهون } في سورة العقود 91، وقول تأبط شراً
هل أنت باعثُ دينار لحاجتنا أو عبدِ ربَ أخا عون بن مخراق   
يريد ابعث إلينا ديناراً أو عبد رب سريعاً لأجل حاجتنا بأحدهما. ورجَوا اتّباع السحرة، أي اتباع ما يؤيده سحر السحرة وهو إبطال دين ما جاء به موسى، فكان قولهم { لعلنا نتّبع السحرة } كناية عن رجاء تأييدهم في إنكار رسالة موسى فلا يتبعونه. وليس المقصود أن يصير السحرة أيمة لهم لأن فرعون هو المتّبع. وقد جيء في شرط { إن كانوا هم الغالبين } بحرف { إن } لأنها أصل أدوَات الشرط ولم يكن لهم شك في أن السحرة غالبون. وهذا شأن المغرورين بهواهم، العُمي عن النظر في تقلبات الأحوال أنهم لا يفرضون من الاحتمالات إلا ما يوافق هواهم ولا يأخذون العُدة لاحتمال نقيضه.