الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }

كانت رباطة جأش موسى وتوكّله على ربّه باعثةً له على الاعتراف بالفعلة وذكر ما نشأ عنها من خيرٍ له، ليدل على أنه حَمِد أثرها وإن كان قد اقترفها غير مُقَدِّر ما جرّته إليه من خير فابتدأ بالإقرار بفعلته ليعلم فرعون أنه لم يجد لكلامه مدخل تأثير في نفس مُوسى. وأخر موسى الجواب عن قول فرعونألم نربّك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين } الشعراء 18 لأنه علم أن القصد منه الإقصارُ من مواجهته بأن ربّاً أعلى من فرعون أرسل موسى إليه. وابتدأ بالجواب عن الأهم من كلام فرعون وهووفعلتَ فعلتك } الشعراء 19 لأنه علم أنه أدخل في قصد الإفحام، وليظهر لفرعون أنه لا يَوْجَل من أن يطالبوه بذَحل ذلك القتيل ثقة بأن الله ينجيه من عدوانهم. وكلمة { إذاً } هنا حرف جواب وجزاء، فنونُه الساكنة ليست تنويناً بل حرفاً أصلياً للكلمة، وقدم { فعلتها } على إذن مبادرةً بالإقرار ليَكون كناية عن عدم خشيته من هذا الإقرار. ومعنى المجازاة هنا ما بيّنه في «الكشاف» أن قول فرعونفعلتَ فعلتك } الشعراء 19 يتضمن معنى جازيتَ نعمتنا بما فعلتَ فقال له موسى نعم فعلتها مُجازيا لك، تسليماً لقوله، لأن نعمته كانت جديرة بأن تجازى بمثل ذلك الجزاء. وهذا أظهر ما قيل في تفسير هذه الآية. وقال القزويني في «حاشية الكشاف» قال بعض المحققين { إذاً } ظرف مقطوع عن الإضافة مُؤْثَراً فيه الفتح على الكسر لخفته وكثرةِ الدوران، ولعله يعني ببعض المحققين رضي الدِّين الاسترابادي في «شرح الكافية الحاجبية» فإنه قال في باب الظروف والحق أن إذْ إذا حذف المضاف إليه منه وأبدل منه التنوين في غير نحو يومئذ، جاز فتحه أيضاً، ومنه قوله تعالى { فعلتها إذاً وأنا من الضالين } أي فعلتها إذْ ربَّيتني، إذ لا معنى للجزاء ههنا اهــــ. فيكون متعلقاً بــــ { فعلتُها } مقطوعاً عن الإضافة لفظاً لدلالة العامل على المضاف إليه. والمعنى فعلتُها زمناً فعلتُها، فتذكيري بها بعد زمن طويل لا جدوى له. وهذا الوجه في { إذاً } في الآية هو مختار ابن عطية والرضي في «شرح الحاجبية» والدماميني في «المزج على المغني»، وظاهر كلام القزويني في «الكشف على الكشاف» أنه يختاره. ومعنى الجزاء في قوله { فعلتها إذاً } أن قول فرعونوفعلتَ فعلتك التي فعلت } الشعراء 19 قصد به إفحام موسى وتهديده، فجعل موسى الاعتراف بالفعلة جزاء لذلك التهديد على طريقة القول بالموجَب، أي لا أتهيّب ما أردت. وجعل مُوسى نفسه من الضالين إن كان مراد كلامه الذي حكت الآية معناه إلى العربية المعنَى المشهورَ للضلال في العربية وهو ضلال الفساد فيكون مراده أن سَوْرة الغضب أغفلته عن مراعاة حرمة النفس وإن لم يكن يومئذ شريعة فإن حفظ النفوس مما اتفق عليه شرائع البشر وتوارثوه في الفِتَر، ويؤيد هذا قوله في الآية الأخرى

السابقالتالي
2