الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } * { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }

{ كلاَّ } حرف إبطال. وتقدم في قوله تعالىكلا سنكتب ما يقول } في سورة مريم 79. والإبطال لقولهفأخاف أن يقتلون } الشعراء 14، أي لا يقتلونك. وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قالوَلَهم عليَّ ذنب فأخاف أن يقتلون } الشعراء 14. وقوله { فاذهبا بآياتنا } تفريع على مُفاد كلمة { كلاّ }. والأمر لموسى أن يذهبَ هو وهارُون يقتضي أن موسى مأمور بإبلاغ هارون ذلك فكان موسَى رسولاً إلى هارون بالنبوءة. ولذلك جاء في التوراة أن موسى أبلغَ أخاه هارون ذلك عندما تلقّاه في حوريب إذ أوحى الله إلى هارون أن يتلقاه، والباء للمصاحبة، أي مصاحبَيْن لآياتنا، وهو وعد بالتأييد بمعجزات تظهر عند الحاجة. ومن الآيات العصا التي انقلبت حية عند المناجاة، وكذلك بياض يده كما في آية سورة طه 17وما تلك بيمينك يا موسى } الآيات. وجملة { إنا معكم مستمعون } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن أمرهما بالذهاب إلى فرعون يثير في النفس أن يتعامى فرعون عن الآيات ولا يَرعوي عند رؤيتها عن إلحاق أذى بهما فأجيب بأن الله معهما ومستمع لكلامهما وما يجيب فرعونُ به. وهذا كناية عن عدم إهمال تأييدهما وكفِّ فرعون عن أذاهما. فضمير { معكم } عائد إلى موسى وهارون وقوم فرعون. والمعية معية علم كالتي في قوله تعالىإلاّ هو معهم أين ما كانوا } المجادلة 7. و { مستمعون } أشدّ مبالغة من سامعون لأن أصل الاستماع أنه تكلف السماع والتكلف كناية عن الاعتناء، فأريد هنا علم خاص بما يجري بينها وبين فرعون وملئه وهو العلم الذي توافقه العناية واللطف. والجمع بين قوله { بآياتنا } وقوله { إنا معكم مستمعون } تأكيد للطمأنة ورباطة لجأشهما. والرسول فَعُول بمعنى مُفعَل، أي مُرسل. والأصل فيه مطابقة موصوفه، بخلاف فعول بمعنى فاعل فحقه عدم المطابقة سماعاً، وفعول بمعنى اسم المفعول قليل في كلامهم ومنه بقرة ذَلول، وقولهم صَبُوح، لما يشرب في الصباح، وغبوق، لما يشرب في العشي، والنَّشوق، لما ينشق من دواء ونحوه. ولكن رسول يجوز فيه أن يُجرى مجرى المصدر فلا يطابق ما يجري عليه في تأنيث وما عدا الإفراد، وورد في كلامهم بالوجهين تارة مُلازماً الإفراد والتذكير كما في هذه الآية، وورد مطابقاً كما في قوله تعالىفقولا إنّا رسولا ربك } في سورة طَه 47، فذهب الجوهري إلى أنه مشترك بين كونه اسماً بمعنى مَفعول وبين كونه اسم مصدر ولم يجعله مصدراً إذ لا يعرف فعول مصدراً لغير الثلاثي، واحتج بقول الأشْعَر الجعفي
ألاَ أَبلِغ بني عَمرو رسولاً بأني عن فُتاحتِكُم غَنِيُّ   
الفتاحة الحكم. وتبعه الزمخشري في هذه الآية إذ قال الرسول يكون بمعنى المرسَل وبمعنى الرسالة فجُعل ثَمَّ أي في قولهإنا رسولا ربّك } في سورة طه 47 بمعنى المرْسَل، وجُعل هنا بمعنى الرسالة.

السابقالتالي
2