عطف جملة على جملة، فالجملة المعطوفة هي { عباد الرحمٰن } إلخ، فهو مبتدأ وخبره { الذين يمشون على الأرض هوناً } إلخ. وقيل الخبر{ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } الفرقان 75. والجملةُ المعطوف عليها جملة{ وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفة } الفرقان 62 إلخ. فبمناسبة ذكر من أراد أن يذَّكَّر تُخلّص إلى خصال المؤمنين أتباع النبي صلى الله عليه وسلم حتى تستكمل السورة أغراض التنويه بالقرآن ومن جاء به ومن اتبعوه كما أشرنا إليه في الإلمام بأهم أغراضها في طالعة تفسيرها. وهذا من أبدع التخلص إذْ كان مفاجئاً للسامع مطمِعاً أنه استطراد عارض كسوابقه حتى يُفاجئه ما يؤذن بالختام وهو{ قل ما يَعْؤا بكم ربّي } الفرقان 77 الآية. والمراد بــــ { عباد الرحمٰن } بادىء ذي بدء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصلات الثمان التي وصفوا بها في هذه الآية حكاية لأوصافهم التي اختصوا بها. وإذ قد أُجريت عليهم تلك الصفات في مقام الثناء والوعد بجزاء الجنة عُلم أن من اتصف بتلك الصفات موعود بمثل ذلك الجزاءِ وقد شرفهم الله بأن جعل عنوانهم عبادَه، واختار لهم من الإضافة إلى اسمه اسمَ الرحمٰن لوقوع ذكرهم بعد ذكر الفريق الذين قيل لهم{ اسجُدوا للرحمان. قالوا وما الرحمٰن } الفرقان 60. فإذا جعل المراد من { عباد الرحمٰن } أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان الخبرُ في قوله { الذين يمشون على الأرض هوناً } إلى آخر المعطوفات وكان قوله الآتي{ أولئك يُجْزَوْن الغرفة بما صبروا } الفرقان 75 استئنافاً لبيان كونهم أحرياء بما بعد اسم الإشارة. وإذا كان المراد من { عباد الرحمٰن } جميع المؤمنين المتصفين بمضمون تلك الصلات كانت تلك الموصولات وصلاتها نعوتاً لــــ { عباد الرحمٰن } وكان الخبر اسمَ الإشارة في قوله{ أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة } الفرقان 75 إلخ. وفي الإطناب بصفاتهم الطيبة تعريض بأن الذين أبوا السجود للرحمان وزادهم نفوراً هم على الضد من تلك المحامد، تعريضاً تشعر به إضافةُ { عباد } إلى { الرحمٰن }. واعلم أن هذه الصلات التي أجريت على { عباد الرحمٰن } جاءت على أربعة أقسام قسم هو من التحلّي بالكمالات الدينية وهي التي ابتدىء بها من قوله تعالى{ الذين يمشون على الأرض هوناً } إلى قوله { سلاماً } الفرقان 75. وقسم هو من التخلّي عن ضلالات أهل الشرك وهو الذي من قوله{ والذين لا يَدْعُون مع الله إلهاً آخر } الفرقان 68. وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام وهو قوله{ والذين يَبِيتُون لربهم سُجَّداً وقياماً } الفرقان 64، وقولُه{ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا } الفرقان 67 الآية، وقوله { ولا يقتلون النفس } إلى قوله{ لا يشهدون الزور } الفرقان 68 ـــ 72 إلخ. وقسم من تطلب الزيادة من صلاح الحال في هذه الحياة وهو قوله{ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا } الفرقان 74 إلى قوله{ للمتقين إماماً } الفرقان 74. وظاهر قوله { يمشون على الأرض هوناً } أنه مدح لمِشيةٍ بالأرْجُل وهو الذي حمل عليه جمهورُ المفسرين.