الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً }

انتصبت الأسماء الأربعة بفعل محذوف دل عليه { تبرنا }. وفي تقديمها تشويق إلى معرفة ما سيخبر به عنها. ويجوز أن تكون هذه الأسماء منصوبة بالعطف على ضمير النصب من قولهفدمرناهم تدميراً } الفرقان 36. وتنوين { عاداً وثموداً } مع أن المراد الأمتان. فأما تنوين { عاداً } فهو وجه وجيه لأنه اسم عري عن علامة التأنيث وغيرُ زائد على ثلاثة أحرف فحقه الصرف. وأما صَرْف { ثموداً } في قراءة الجمهور فعلى اعتبار اسم الأب، والأظهر عندي أن تنوينه للمزاوجة مع { عَاداً } كما قال تعالىسَلاَسِلاً وأَغْلاَلاً وسعيراً } الإنسان 4. وقرأه حمزة وحفص ويعقوب بغير تنوين على ما يقتضيه ظاهر اسم الأمة من التأنيث المعنوي. وتقدم ذكر عاد في سورة الأعراف. وأما { أصحاب الرسّ } فقد اختلف المفسرون في تعيينهم واتفقوا على أن الرسّ بئر عظيمة أو حفير كبير. ولما كان اسماً لنوع من أماكن الأرض أطلقه العرب على أماكن كثيرة في بلاد العرب. قال زهير
بكَرْنَ بُكُوراً واستحرْنَ بسَحرة فهنّ ووادِي الرسّ كاليد للفم   
وسمّوا بالرّسّ ما عرفوه من بلاد فارس، وإضافة { أصحاب } إلى { الرس } إما لأنهم أصابهم الخسف في رسّ، وإما لأنهم نازلون على رسّ، وإما لأنهم احتفروا رسّاً، كما سمي أصحاب الأخدود الذين خدّوه وأضرموه. والأكثر على أنه من بلاد اليمامة ويسمى «فَلَجا». واختلف في المعنيّ من { أصحاب الرس } في هذه الآية فقيل هم قوم من بقايا ثمود. وقال السهيلي هم قوم كانوا في عَدن أُرسل إليهم حنظلة بن صفوان رسولاً. وكانت العنقاء وهي طائر أعظم ما يكون من الطير سميت العنقاء لطول عنقها وكانت تسكن في جبل يقال له «فتح»، وكانت تنقضّ على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأهلكها الله بالصواعق. وقد عبدوا الأصنام وقتلوا نبيهم فأهلكهم الله. قال وهب بن منبه خسف بهم وبديارهم. وقيل هم قوم شعيب. وقيل قوم كانوا مع قوم شعيب، وقال مقاتل والسدّي الرسّ بئر بأنطاكية، وأصحاب الرسّ أهل أنطاكية بُعث إليهم حبيب النجّار فقتلوه ورسُّوه في بئر وهو المذكور في سورة يس 20وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } الآيات. وقيل الرس وادٍ في أذربيجان في أرَّان يخرج من قاليقَلا ويصب في بحيرة جُرجان ولا أحسب أنه المراد في هذه الآية. ولعله من تشابه الأسماء يقال كانت عليه ألف مدينة هلكت بالخسف، وقيل غير ذلك مما هو أبعد. والقرون الأمم فإن القرن يطلق على الأمة، وقد تقدم عند قوله تعالىألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } في أول الأنعام 6. وفي الحديث " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم الحديث " والإشارة في قوله { بين ذلك } إلى المذكور من الأمم.

السابقالتالي
2