الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }

هذا هو ذلك اليوم أعيد الكلام عليه باعتبار حال آخر من أحوال المشركين فيه، أو باعتبار حال بعض المشركين المقصود من الآية. والتعريف في { الظالم } يجوز أن يكون للاستغراق. والمراد بالظلم الشرك فيعم جميع المشركين الذين أشركوا بعد ظهور الدعوة المحمدية بقرينة قوله { يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلاً } ، ويكون قوله { ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً } إعلاماً بما لا تخلو عنه من صحبة بعضهم مع بعض وإغراء بعضهم بعضاً على مناوأة الإسلام. ويجوز أن يكون للعهد المخصوص. والمراد بالظلم الاعتداء الخاص المعهود من قصة معينة وهي قصة عقبة بن أبِي معيْط وما أغراه به أُبَيّ بن خلف. قال الواحدي وغيره عن الشعبي وغيره كان عقبة بن أبي مَعيط خليلاً لأمية بن خلف، " وكان عقبة لا يقدَم من سفر إلا صنع طعاماً ودعا إليه أشرافَ قومه، وكان يُكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدِم من بعض أسفاره فصنع طعاماً ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرّبوا الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بآكل من طعامك حتى تَشهد أن لا إلٰه إلا الله وأني رسول الله، فقال عقبة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، فأكل رسول الله من طعامه " وكان أُبَيّ بن خلف غائباً فلما قدم أُخبر بقضيته، فقال صَبَأتَ يا عقبةُ، قال والله ما صبأتُ ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يأكل من طعامي حتى أشهد له، فاستحييتُ أن يخرج من بيتي ولم يَطْعَم، فشهدتُ له فطَعِم، فقال أُبَيّ ما أنا بالذي أرضى عنك أبداً إلاّ أن تأتيه فتبصق في وجهه، فكفَر عقبة وأخذ في امتثال ما أمره به أبيّ بن خلف، فيكون المراد بــــفلان الكناية عن أبَيّ بن خلف فخصوصه يقتضي لحاق أمثاله من المشركين الذين أطاعوا أخلّتهم في الشرك ولم يتّبِعُوا سبيل الرسول، ولا يخلو أحد من المشركين عن خليل مشرك مثله يصدّه عن متابعة الإسلام إذا هَمّ به ويثْبِته على دين الشرك فيتندم يوم الجزاء على طاعته ويذكره باسمه. والعَضّ الشدّ بالأسنان على الشيء ليُؤلمه أو ليُمسكه، وحقه التعدية بنفسه إلا أنه كثرت تعديته بــــ { على } لإفادة التمكن من المعضوض إذا قصدوا عضّاً شديداً كما في هذه الآية. والعضّ على اليد كناية عن الندامة لأنهم تعارفوا في بعض أغراض الكلام أن يصحبوها بحركات بالجسد مثل التّشذر، وهو رفع اليد عند كلام الغضب قال، لبيد
غُلْب تشذّر بالدخول كأنهم جن البدي رواسياً أقدامها   
ومثل وضع اليد على الفم عند التعجب. قال تعالىفَرَدُّوا أيديهم في أفواههم } إبراهيم 9. ومنه في الندم قرع السن بالأصبع، وعَضّ السبابة، وعَضّ اليد.

السابقالتالي
2 3 4