الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً }

عُطف { ويوم نحشرهم } إما على جملةقل أذلك خير } الفرقان 15 إن كان المراد قل للمشركين، أو عُطف على جملةوأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا } الفرقان 11 على جواز أن المراد قل للمؤمنين. وعلى كلا الوجهين فانتصاب { يوم نحشرهم } على المفعولية لفعل محذوف معلوم في سياق أمثاله، تقديره اذكر ذلك اليوم لأنه لما توعدهم بالسعير وما يلاقون من هولها بيّن لهم حال ما قبل ذلك وهو حالهم في الحشر مع أصنامهم. وهذا مظهر من مظاهر الهول لهم في المحشر إذ يشاهدون خيبة آمالهم في آلهتهم إذ يرون حقارتها بين يدي الله وتبرؤها من عُبّادها وشهادتها عليهم بكفرانهم نعمة الله وإعراضهم عن القرآن، وإذ يسمعون تكذيب من عبدوهم من العقلاء من الملائكة وعيسى عليهم السلام والجن ونسبوا إليهم أنهم أمروهم بالضلالات. وعموم الموصول من قوله { وما يعبدون } شامل لأصناف المعبودات التي عبدوها ولذلك أوثرت ما الموصولة لأنها تصدق على العقلاء وغيرهم. على أن التغليب هنا لغير العقلاء. والخطاب في { أأنتم أضللتم } للعقلاء بقرينة توجيه الخطاب. فجملة { قالوا سبحانك } جواب عن سؤال الله إياهم { أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } ، فهو استئناف ابتدائي ولا يتعلق به { يوم نحشرهم }. وقرأ الجمهور { نحشرهم } بالنون و { يقول } بالياء ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة. وقرأه ابن كثير وأبو جعفر ويعقوب { يحشرهم ويقول } كليهما بالياء. وقرأ ابن عامر { نحشرهم ونقول } كليهما بالنون. والاستفهام تقريري للاستنطاق والاستشهاد. والمعنى أأنتم أضللتموهم أم ضلوا من تلقاء أنفسهم دون تضليل منكم. ففي الكلام حذف دل عليه المذكور. وأخبر بفعل { أضللتم } عن ضمير المخاطبين المنفصل وبفعل { ضلّوا } عن ضمير الغائبين المنفصل ليفيد تقديم المسند إليهما على الخبرين الفعليين تقوي الحكم المقرر به لإشعارهم بأنهم لا مناص لهم من الإقرار بأحد الأمرين وأن أحدهم محقق الوقوع لا محالة. فالمقصود بالتقوية هو معادل همزة الاستفهام وهو { أم هم ضلوا السبيل }. والمجيبون هم العقلاء من المعبودين الملائكة وعيسى عليهم السلام. وقولهم { سبحانك } كلمة تنزيه كني بها عن التعجب من قول فظيع. كقول الأعشى
قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر   
وتقدم في سورة النور 16سبحانك هذا بهتان عظيم } واعلم أن ظاهر ضمير { نحشرهم } أن يعود على المشركين الذين قرعتهم الآية بالوعيد وهم الذين قالوا { مال هذا الرسول يأكل الطعام } إلى قولهمسحوراً } الفرقان 7، 8 لكن ما يقتضيه وصفهم بـ { الظالمون } والإخبار عنهم بأنهم كذبوا بالساعة وما يقتضيه ظاهر الموصول في قولهلمن كذب بالساعة } الفرقان 11 من شمول كل من تحقق فيه مضمون الصلة، كل ذلك يقتضي أن يكون ضمير { نحشرهم } عائداً إلى { من كذب بالساعة } فيشمل المشركين الموجودين في وقت نزول الآية ومن انقرض منهم بعد بلوغ الدعوة المحمدية ومن سيأتي بعدهم من المشركين.

السابقالتالي
2 3